وينبغي لمن طلب هذا الكتاب، أن لا تكون غايتُه منه بلوغَ آخره، فليس ينتفع بقراءته ولا يُفيد منه شيئًا، وإن طمَحتْ عيناه إلى جمعه، فإنه خليقٌ ألَّا يُصيبَ منه، إلَّا كما أصاب الرَّجل، الذي بلغني…
هذا كتاب كليلة ودمنة، جمع لهوًا وحكمة، فاجتباه الحُكماء لحكمته، والسخفاء لِلَهْوِه، ولم يزل العقلاء من أهل كل زمان، يلتمسون أن يُعقَل عنهم، ويحتالون لذلك بصنوف الحِيَل، ويطلبون إخراج ما عندهم من العِلل.
قال الملك للفيلسوف: قد فهمتُ ما ذكرت، فاضرب لي مثلا، في شأن الرجل الذي يرى الرأي لغيره، ولا يراه لنفسه.
قال الملك للفيلسوف: قد فهمتُ ما ذكرت، فأخبرني، ما بالُ الرجل السفيه يصيبُ الرفعة والشرف، والحكيم اللبيب لا يخلو من الهمِّ والجهد؟
قال الملك للفيلسوف: قد فهمت ما ذكرت، فاضرب لي مثلاً، في شأن الذي يضع المعروف في غير موضعه، ويرجو الشكر عليه، وأخبرني عن الملك، إلى من ينبغي أن يصنع المعروف، ومن يحق له أن يثق به؟
قال الملك للفيلسوف: قد فهمت ما ذكرت، من أمرِ من يدع ضُرَّ غيره، لضرِّ نفسه، فأخبرني عمَّن يدع صنعه، الذي يعرفه ويليق به، ويطلب سواه فلا يقدر عليه، فيراجع الذي كان في يده، فيفوته، ويبقى حيران متردداً.