عبد الله بن المقفع، كاتب عربي مسلم، كان فاضلاً، ألفاظه حكيمة، ومقاصده من الخلل، سليمة، ولد ونشأ، في البصرة، في العراق.
المُقَفَّع، أو المُقفِّع، والقَفْعُ، هو ضربٌ من الخَشَب، يَمْشي الرجال تحته، إلى الحُصُونِ، في الحَرْب. معجم العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 ه - 173 ه).
قال ابن النديم (320ه - 384ه)، في كتاب، الفهرست، أن والد، ابن المُقَفَّع، احتجن (ضمه إلى نفسه واحتواه) من مال السلطان، فضربه الحجاج بن يوسف (40 ه - 95 ه)، بالبصرة، ضرباً مبرحاً، حتى تقفعت يداه، فتَقَفَّعَ (تقفَّعَتْ أصابِعُه: تقلَّصت، واعوجَّت).
وقال ابن خلكان (608 ه - 681 ه)، في كتاب، وفيات الأعيان، أن والد ابن المُقَفَّع، مد يده، وأخذ الأموال، فعذبه، يوسف بن عمر الثقفي (65 ه - 127 ه)، وليس الحجاج بن يوسف. وقال، يقولون ابن المُقفِّع، بكسر الفاء، لأن أباه، كان يعمل القِفاع، ويبيعها، والقِفاع، بكسر القاف، جمع قَفعة، بفتح القاف. والقَفْعَة: قُفَّة (وعاءٌ) من خُوصٍ (ورَقُ النَّخْلِ والمُقْل والنَّارَجِيل وما شاكَلَها) لا مقبضَ لها.
وقال الجاحظ (159 ه - 255 ه)، في البيان والتبين، أن عبد الله بن المقفع (نفسه)، فإن صاحب الاستخراج (الاستخراج: المطالبة بالأموال، ممن اتُّهم، باختلاس مال الدولة)، لما ألح عليه، في العذاب، قال لصاحب الإستخراج: أعندك مال، وأنا أربحك، ربحا، ترضاه، وقد عرفت، وفائي وسخائي، وكتماني للسر، فعيني، مقدار هذا النجم (القسط من الدين). فأجابه إلى ذلك، فلما صار له مال، ترفق به، مخافة أن يموت تحت العذاب، فيتوى (يهلك) ماله.
وقال ابن قتيبة (213 ه - 276 ه)، في عيون الأخبار، المدائني (132 ه - 225 ه) قال: كان ابن المقفع (نفسه)، محبوسا في خراج، كان عليه، وكان يعذّب، فما طال ذلك، وخشي على نفسه، تعيّن من صاحب العذاب، مائة ألف درهم، فكان بعد ذلك، يرفق به، إبقاء على ماله.
وقال البلاذري (207 ه - 279 ه)، في كتاب أنساب الأشراف، أن والد ابن المُقفَّع، دَخَلَ فِي عمل للحجاج، فخرج عَلَيْهِ مال، فضرب بِهِ، حَتَّى تقفعت يده، فغلب عَلَى اسمه المقفع، واحتال، حَتَّى اقترض من صاحب العذاب، مالًا، فكان يُبقي عَلَيْهِ، من القتل.
وفي، كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي (581 ه - 654 ه)، قال: لما بلغ ابن الزبير (1 ه - 73 ه)، هلاكُ يزيد (64 ه)، وأهلُ الشام لا يعلمون، وقد حصروه حصارًا شديدًا، وضيَّقوا عليه، نادى: يا أهل الشام، علام تقاتلونا، وقد هلك طاغيتكم؟ فلم يصدِّقوه، حتى قدم، ثابت بن قيس بن المقفع النَّخَعي الكوفي، فمرَّ بالحُصين، وكان بينهما صداقة وصهر، فأخبره.
إذن، كان هنالك، في القرن الأول الهجري، مُقَفَّع، نخعي كوفي، والنُخَع، قبيلة عربية، أصلها من اليمن، والكوفة، مدينة عربية، أسسها، سعد بن أبي وقاص.
٢ - المولد، أخذه الفصاحة، الكاتب
لا تعرف سنة ولادة ابن المقفع، وقد عاش في الدولتين الاموية (41ه - 132ه) والعباسية (132ه - ).
قال ابن النديم، في كتاب، الفهرست، أنه أخذ الفصاحة، عن أبو الجاموس، ثور بن يزيد، وهو أعرابي، كان يفد البصرة، على آل سليمان بن علي (سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي، 83 ه - 142 ه)، ولا مصنف له.
وقال البلاذري، أنه تلقى تأديبه، من أَبَا الغول الأعرابي، وأبا الخاموش، وكانا فصيحين.
وفي ظلّ الدولة الأموية، قال الجَهْشَيَاري (؟ - 331 ه)، في كتاب، الوزراء والكتاب، أنه كتب، لعمر بن هبيرة (؟ - 107 ه)، وقال ابن النديم، أنه كتب، لداود بن هبيرة، أخ، عمر بن هبيرة، وقال البلاذري، في كتاب، أنساب الأشراف، أنه كتب، لعامر بْن ضبارة (؟ - 131ه).
ثُمَّ، لما جاءت الدولة العباسية، صحب، بَنِي علي بن عبد الله بن عباس، فكتب، لعيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، كما ذكر ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان.
وقال ابن أبي أصيبعة (600 ه - 668 ه)، في كتاب، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، أنه كان كاتب، أبي جَعْفَر الْمَنْصُور.
وفي كتاب، طبقات الشعراء، لعبد الله بن المعتز بالله (247 ه - 296 ه)، قال أنه دخل أبو الغول، على هارون الرشيد (149 ه - 193 ه)، فأنشده مديحاً له.
قال الرشيد: يا أبا الغول.
قال أبو الغول: لبيك يا مولانا، أمير المؤمنين.
قال الرشيد: إن في أنفسنا، من شعرك شيئاً، فلو كشفته بشيء، تقوله، على البديهة؟
قال أبو الغول: والله، ما أنصفتني، يا أمير المؤمنين.
قال الرشيد: ولم؟ وإنما هذا، امتحان.
قال أبو الغول: لأنك، جمعت، هيبة الخلافة، وجلالة الملك، وحيرة الاقتضاب، على أني، أرجو أن أبلغ من ذلك، ما تريد.
فإذا، الأمين، قائم عن يمنه، والمأمون، عن يساره، فأنشأ يقول:
بُنِيَت، لعبد الله، بعد محمد
ذرا (أبدع)، قُبّة (بناءٌ مستديرٌ، مقوَّس، مجوَّف، يُعقَدُ بالآجُرّ،ِ ونحوه) الإسلام، فاخضر عودها
هما طُنباها (عِرق، عَصَب)، بارك الله، فيهما
وأنت، أمير المؤمنين، عمودها
قال الرشيد: وأنت، بارك الله فيك، أحسنت، وأجدت.
قال أبو الغول: يا أمير المؤمنين، امتحني بما شئت، ليزول ما بقلبك، من الريبة والشك، في شعري.
قال الرشيد: لا حاجة بنا، إلى ذلك، أنت شاعر، مقتدر، والذي قيل فيك، باطل.
ثم وصله، بعشرة آلاف درهم، وخلع عليه.
وقد قال ابن خلكان، في كتاب وفيات الأعيان، أن ابن المقفع، مع فضله، كان يتهم بالزندقة، كما ذكره، أبو المعالي الجويني (419ه - 478ه)، من أنه، كان يجتمع، بالحلاج والجنابي، وقال ابن خلكان، لما وقف على كلام الجويني، لم يمكن، أن يكون، ابن المقفع، أحد الثلاثة المذكورين، فما أدرك الحلاج والجنابي، وايضاً، فإن ابن المقفع، لم يفارق العراق، فكيف يقول الجويني، إنه توغل في بلاد الترك، وإنما كان مقيماً بالبصرة، ويتردد في بلاد العراق، ولم تكن بغداد، موجودة، في زمنه.
وقال الماوردي (364ه - 450ه)، في كتاب التفسير، واسمه، كتاب النكت والعيون: حُكي، أن ابن المقفع، طلب أن يعارض القرآن، فنظم كلاما، وجعله مفصلا، وسماه سورا، فاجتاز يوما، بصبي، يقرأ في مكتب: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فرجع، ومحا ما عمل، وقال: أشهد، أن هذا، لا يُعارض أبدا، وما هو، من كلام البشر، وكان فصيح أهل عصره.
وقال الهيثم ابن عدي (130ه - 207ه)، الذي قال أبو داود عنه، أنه كذاب، والبخاري وصفه، بقوله: سكتوا عنه، وهو، أن الراوي، شديد الضعف، ولا يصلح حتى للاعتبار، وقال عنه النسائي، أنه متروك الحديث، قال، أن ابن المقفع، كان مجوسياً، وكان أكْثَر ميله، إلى عِيسَى بْن عَلِي بن عبد الله بن عباس، عم السفاح والمنصور، الخليفتين الأولين، من خلفاء بني العباس، فجائه، فقال: قد دخل الإسلام في قلبي، وأريد، أن أسلم على يدك.
قال عيسى: ليكن ذلك، بمحضر من القواد، ووجوه الناس، فإذا كان الغد، فاحضر.
ثم حضر طعام عيسى، عشية ذلك اليوم، فجلس ابن المقفع، يأكل ويزمزم، على عادة المجوس، فقال له عيسى: أتزمزم، وأنت على عزم الإسلام؟
فقال ابن المقفع: أكره، أن أبيت، على غير دين.
فلما أصبح، أسلم على يده، وكان يكنى، أَبَا عَمْرو، فتكنى، أبا محمد.
ولعلَّ، الذي كان يتهم، بالزندقة، ابْن المقفع (المقنع) الخراساني، الّذي ادعى الربوبية، وَاسْمُهُ عَطَاءٌ، وقد قال، ابن العماد الحنبلي (1032ه - 1089ه)، في كتاب، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، أنه، في سنة، إحدى وستين ومائة، فيها كان ظهور، عطاء المقنّع، السّاحر الملعون، الّذي ادعى الربوبية، من طريق المناسخة، فقبل قوم دعواه، وعبدوه، وقاتلوا دونه، ولما اشتهر أمر المقنع، وانتشر ذكره، ثار عليه النّاس، وقصدوه في قلعته، التي كان قد اعتصم بها، وحصروه، فلما أيقن بالهلاك، جمع نساءه، وسقاهنّ سمّا، فمتن، ثم تناول شربة، من ذلك السّم، فقَتَلَ نَفْسَهُ، فِي سَنَة، ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ.
لا يعرف، متى توفي، ابن المقفع.
وقال أبو الفرج بن الجوزي (510ه - 597ه)، في كتاب، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، أن أبو الوفاء بن عقيل (431ه - 513ه)، قال: وجدت فِي تعاليق محقق، من أَهْل العلم، أن سبعة، مات كل واحد منهم، وله، ست وَثَلاثُونَ سنة، فعجبت من قصر أعمارهم، مع بلوغ كل منهم، الغاية فيما كَانَ فِيهِ، وانتهى إِلَيْهِ، فمنهم: الإسكندر ذو القرنين، وأبو مسلم صاحب الدولة العباسية، وابْن المقفع صاحب الخطابة والفصاحة، وسيبويه صاحب التصانيف والمتقدم فِي علم العربية، وأبو تمام الطائي وما بلغ من الشعر وعلومه، وإبراهيم النظام المعمق فِي علم الكلام، وابن الريوندي وما انتهى إليه من التوغيل فِي المخازي. فهؤلاء السبعة، لم يجاوز أحد منهم، ستا وثلاثين سنة، بل اتفقوا، على هذا القدر، من العمر.
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، أن سبط ابن الجوزي، في تاريخه، مرآة الزمان، يدلّ، على أن وفات، ابن المقفع، كانت، في سنة، خمس وأربعين ومائة، وأن، عمر بن شبه (173ه - 262ه)، في كتابه، أخبار البصرة، ما يدل، على أن ذلك كان، في سنة، اثنتين وأربعين ومائة أو ثلاث وأربعين.
لا يعرف، كيف توفي، ابن المقفع.
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، أن الأصمعي (123ه - 216ه) قال، أنه قيل، لابن المقفع، من أدبك؟ فقال: نفسي، إذا رأيت من غيري، حسناً، أتيته، وإن رأيت قبيحاً، أبيته.
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، أن الهيثم بن عدي، الذي قال أبو داود عنه، أنه كذاب، قال، أن ابن المقفع، كان يعبث، بسفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، والي البصرة، وينال من أمه، ولا يسميه، إلا بابن المغتلمة (اغتلم، إذا اشتدت ثورته، أو انقاد لشهوته)، وكثر ذلك منه.
وذكر الهيثم بن عدي، أن ابن المقفع، كان يستخف بسفيان كثيراً، وكان أنف سفيان كبيراً، فكان إذا دخل عليه، قال، السلام عليكما، يعني نفسه وأنفه، وقال له يوماً، يسخر به، على رؤوس الناس، ما تقول، في شخص مات، وخلف زوجاً وزوجة؟ وقال سفيان يوماً: ما ندمت، على سكوت قط، فقال له، ابن المقفع: الخرس، زين لك، فكيف تندم عليه؟
وقال الراغب الأصفهاني (؟ - ٥٠٢ه)، في كتاب، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، أن عبد الله بن عليّ، استشار، عبد الله بن المقفّع، فيما كان بينه، وبين المنصور، فقال ابن المقفّع: لست أقود جيشا، ولا أتقلّد حربا، ولا أشير بسفك دم، وعثرة الحرب، لا تستقال، وغيري، أولى بالمشورة، في هذا المكان.
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، وكان عبد الله بن عليّ، قد خرج، على ابن أخيه المنصور، وطلب الخلافة لنفسه، فأرسل إليه المنصور جيشاً، فانتصر عليه. وهرب عبد الله بن علي، إلى أخويه، سليمان وعيسى، واستتر عندهما، خوفاً على نفسه، من المنصور، فتوسطا له، عند المنصور، ليرضى عنه، ولا يؤاخذه، بما جرى منه، فقبل شفاعتهما، واتفقوا، على أن يكتب له، أمان، من المنصور، فقدم سليمان وعيسى، وهما عما المنصور، ليكتبا أماناً، لأخيهما، عبد الله بن علي، وَكان عبداللَّه بن المقفع، كاتب عيسى بْن عَلِي، فأمره، فكتب: ومتى غدر، أمير المؤمنين، بعمه عبد الله، فنساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون، في حل من بيعته.
وقال البلاذري، في كتاب، أنساب الأشراف، أنه كان في الامان: إِن عَبْد اللَّهِ، عَبْد اللَّهِ، أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، لَمْ يف، بِمَا جعل لعبد الله ابن عَلِي، فَقَدْ خلع نَفْسه، والناس فِي حل، وسَعَةٍ، من نقض بيعته.
وقال الجَهْشَيَاري، في كتاب، الوزراء والكتاب، أن عبداللَّه بن المقفع، كتب في الأمان: وإن أنا نلت، عبدالله بن علي، أو أحداً، ممن أقدمه معه، بصغير من المكروه، أو كبير، أو أوصلت، إلى أحد منهم، ضررا، سرا أو علانية، على الوجوه، والأسباب كلها، تصريحا، أو كناية، أو بحيلة من الحيل، فأنا نفيّ، من محمد بن عليْ بن عبد الله، ومولود، لغير رشدة، وقد حلّ، لجميع أمة محمد، خلعي، وحربي، والبراءة مني، ولا بيعة لي، في رقاب المسلمين، ولا عهد، ولا ذمة، وقد وجب عليهم، الخروج من طاعتي، و إعانة، من ناوأني، من جيع الخلق، ولا موالاة، بيني، و بين أحد من المسلمين، وهو متبرئ، من الحول والقوة، ومدع، إن كان، أنه كافر، بجميع الاديان، ولقي ربه، على غير دين، ولا شريعة، محرم المأكل، والمشرب، والمناكح، والمركب، والرق، والملك، والملبس، على الوجوه والأسباب كلها ، وكتبت بخطي، ولا نية لي، سواه، ولا يقبل الله مني إلا إياه ، والوفاء به.
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، فلما وقف المنصور، على ذلك، عظم عليه، وقال: من كتب هذا؟ فقالوا له: رجل، يقال له، عبد الله ابن المقفع، يكتب لأعمامك. فكتب، إلى سفيان، متولي البصرة، يأمره بقتله.
وكان سفيان، شديد الحنق عليه، وذكر الهيثم بن عدي، أن وكان سفيان، يقول: والله، لأقطعنه إرباً إرباً، وعينه تنظر، وعزم، على أن يغتاله. فجاءه، كتاب المنصور، بقتله، فاستأذن ابن المقفع يوماً، على سفيان، في أمر كذا وكذا، فأخر إذنه، حتى خرج، من كان عنده، ثم أذن له، فدخل، فعدل به إلى حجرة، فقتل فيها.
وقيل، إنه ألقاه، في بئر المخرج، وردم عليه الحجارة.
وقيل، أدخله حماماً، وأغلق عليه بابه، فاختنق.
وقيل، لما دخل ابن المقفع، على سفيان، قال له: أتذكر، ما كنت تقول، في أمي؟ فقال ابن المقفع: أنشدك الله، أيها الأمير، في نفسي. فقال سفيان: أمي مغتلمة، إن لم أقتلك قتلة، لم يقتل بها، أحد. وأمر بتنور، فسجر، ثم أمر بابن المقفع، فقطعت أطرافه، عضواً عضواً، وهو يلقيها في التنور، وهو ينظر، حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق عليه التنور، وقال: ليس علي في المثلة بك حرج، لأنك زنديق، وقد أفسدت الناس.
وقال الجَهْشَيَاري، في كتاب، الوزراء والكتاب، وحُكي، أن سفيان، لما أمر بتقطيع، ابن المقفع، وطرحه في التنور، قال له ابن المقفع: والله، إنك لتقتلني، فتقتل بقتلي، ألف نفس، ولو قتل مئة مثلك، ما وفوا بواحد، ثم قال:
إذا ما مات مِثلي مات شَخصٌ
يموت بموته خلقٌ كثيرُ
وأنت تموت وحدك ليس يَدري
بموتك لا الصغير ولا الكبير
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، وسأل، سليمان وعيسى عنه، فقيل، إنه دخل دار سفيان سليماً، ولم يخرج منها، فخاصماه إلى المنصور، وأحضراه إليه مقيداً، وحضر الشهود، الذين شاهدوه، وقد دخل داره، ولم يخرج، فأقاموا الشهادة عند المنصور، فقال لهم المنصور: أنا أنظر، في هذا الأمر، ثم قال لهم: أرأيتم، إن قتلت سفيان به، ثم خرج ابن المقفع، من هذا البيت، وأشار إلى باب خلفه، وخاطبكم، ما تروني صانعاً بكم؟ أأقتلكم بسفيان؟ فرجعوا كلهم عن الشهادة، وأضرب عيسى وسليمان، عن ذكره، وعلموا، أن قتله، كان برضا المنصور.
وقال البلاذري، في كتاب، أنساب الأشراف، وَقَالَ أَبُو الغول الأَعْرَابِيُّ، يرثي عبدَاللَّه، بْن المقفع:
وجمتَ (سكت وعجز عن الكلام)، وراعكَ الخطبُ الجليلُ
وأجرى دمعَك، الحزنُ الدخيل
كأنّ دموع عينك، إذ تداعَتْ
جمانٌ (اللؤلؤ)، خانه سلك سحيل (الخَيطُ غير مفتول)
عشيَّةَ، قلتَ للداعي ينادي
بعبد اللَّه، ويحك، مَا يَقُول
فَقَالَ، ابنَ المقفع، فاحتسبهُ (اصبر على وفاته)
فَلَيْس إِلَى لقائكهُ، سبيلُ
قتيلُ مَغالةٍ (الحِقْدُ الباطن)، فِي السِّر غدرًا
وَقَدْ يغتال، ذا العز، الذليل
لَقَدْ أودى بِهِ، كرمٌ وبر
وعلم، زانَهُ رأيٌ أصيل
وجود يد، بمنفسها (كل ما له قدر وقيمة، مال منفس: كثير)، إِذَا مَا
نفيس المال، ضن بِهِ البخيل
أَبُو الأضياف (جمع ضيف) يغمرهم قراه (إكرامه)
رحيبٌ بالعظيم لَهُ حَمول
ألف ابن المقفع:
- وله مجموعة من نوادر القول.
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، أنه قيل، أن المقفع، هو الذي وضع، كتاب كليلة ودمنة.
وقال آخرون، أن كليلة ودمنة، كثير الرواية، لآداب العرب، وخطابتها، وأمثالها، وفيه ما يشبه من قول، لعلي بن أبي طالب وغيره.
وقيل، أن كتاب، كليلة ودمنة، الذي كتبه ابن المقفع، تعرض للتغير، والزيادة والنقصان، على مر العقود، وذلك ظاهر، من اختلاف نسخه، ومن ورود، بعض النصوص، كتبها آخرون، في كليلة ودمنة، كمثل، نصوص من النمر والثعلب، لسهل بن هارون، ومقدمة علي بن محمد بن شاه الطاهري (؟ - ٣٠٢ﻫ)، زيدت بعد ابن المقفع، بعدة قرون، وباب مهرايز ملك الجرذان، ليس من كلام ابن المقفع، وأيضا أُلحِق به بعد عدة قرون.
وقيل، أن كتاب، كليلة ودمنة، الذي كتبه ابن المقفع، ترجم الى السنسكريتية (لغة قديمة في الهند)، والفارسية، في وقت لاحق، فمثلا، ترجمه، أبو المعالي نصر الله، الى الفارسية، في القرن السادس الهجري، وترجمه، حسين الكاشفي، الى الفارسية، في القرن التاسع الهجري، وسماه، انوار سهيلى، وعدّل في كليلة ودمنة بشكل كبير. وهنالك، نسخة سنسكريتية، من القرن السادس الهجري، تدعى بنجاتنترا، أو الفصول الخمسة، قائمة على نسخة ابن المقفع، مع تعديل، بشكل كبير.
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، أنه قيل، أن ابن المقفع، لم يضع كتاب كليلة ودمنة، وإنما كان باللغة الفارسية، فعربه، ونقله إلى العربية، وقال ابن النديم، في الفهرست، فأما كتاب كليلة ودمنة، فقد اختلف في أمره، فقيل، عملته الهند، وقيل، عملته ملوك الاسكانية، ونحلته الهند، وقيل، عملته الفرس، ونحلته الهند، وقال آخرون، لم يذكر ابن المقفع، الكتاب الذي اعتمد عليه، ولم تكن له ترجمة، غير ترجمة، ابن المقفع.
وقال الجاحظ (159ه -255ه)، في كتاب الرسائل، وربما ألفت الكتاب، الذي هو دونه، في معانيه وألفاظه، فأترجمه باسم غيري، وأحيله، على من تقدمني عصره، مثل، ابن المقفع، والخليل، وسلْم صاحب بيت الحكمة، ويحيى بن خالد، والعتّابيّ، ومن أشبه هؤلاء، من مؤلِّفي الكتب، فيأتيني، أولئك القوم بأعيانهم، الطاعنون على الكتاب، الذي كان أحكم، من هذا الكتاب، لاستنساخ هذا الكتاب، وقراءته عليّ، ويكتبونه بخطوطهم، ويصيِّرونه إماماً، يقتدون به، ويتدارسونه بينهم، ويتأدّبون به، ويستعملون ألفاظه، ومعانيه، في كتبهم وخطاباتهم، ويروونه عنيّ، لغيرهم من طلاب ذلك الجنس، فتثبت لهم به رياسة، ويأتمُّ بهم، قومٌ فيه، لأنه، لم يترجم باسمي، ولم يُنسب، إلى تأليفي.
وكما قال الجاحظ، كان البعض، ينسب مؤلفاته، الى ابن المقفع، ليقرأها الناس، وتروج وتشيع، وبعض الكتب المنحولة (المدعوة اليه وهي لغيره) لابن المقفع:
- كتاب مزدك
- كتاب التاج في سيرة أنوشروان
- كتاب خداينامة في السير
- كتاب آيين نامه في الإصر
- أيساغوجي
وقال ابن خلكان، في كتاب، وفيات الأعيان، أن لابن المقفع، ولد اسمه محمد، وقال آخرون، أنه عمل، كاتبا ومترجما.