قال الوزير: زعموا أيها الملك السعيد، انه كان ملك، من الملوك، وكان له ولد، مولع بالصيد والقنص، وكان لذلك الملك وزير، فأمر الملك، ذلك الوزيرَ، أن يكون مع ابنه، اينما كان، واينما مضى.
وفي بعض الأيام، خرجوا وساروا، ونظر الوزير، إلى وحش كبير، فقال الوزير لابن الملك: دونك هذا الوحش، فاطلبه.
فاخذ الولد في طلبه، حتى أنه غاب عن الأثر، وتاه عن الطريق، وغاب عنه الوحش، في البَرِّيَّة، وتحيَّرَ ابن الملك، فلا علم له، اين يتوجه، ولا اين يذهب، وإذا بجاريةٍ، على رأس الطريق، وهي تبكي، فتقدم اليها، وقال لها ابن الملك: مَن أنت؟
قالت الجارية: أنا بنتُ ملكٍ، من ملوك الاغريق، وكنت راكبة مسافرة في البرية، ومعي جملة من الناس، فادركني النعاس، فوقعت من فوق دابتي، وجماعتي تركوني، وبقيت في هذه الارض المنقطعة، فصرتُ لا اعلم، اين اذهب.
فلما سمع، ابن الملك كلامها، رَقَّ لحالها، وحملها خلفه، على ظهر دابته، وسار بها، حتى وصل إلى خرابة، فقالت له الجارية: يا سيدي، أريد أن أقضي حاجة هنا.
فأنزلها، ودخلت الى تلك الخرابة، ثم تعوقت، فاستبطأها، فدخل خلفها، وهي لا تعلم به، فإذا بها قد صارت غولة، تقول لأولادها: يا أولادي، قد أتيتكم اليوم، بغلام سمين.
فقالوا لها: ائتينا به يا أماه، نأكله في بطوننا.
فلما سمع ابن الملك كلامهم، أيقن بالهلاك، وارتعدت فرائصه، وخشي على نفسه ورجع، فخرجت الغولة، فرأته كالخائف الوجل، وهو يرتعد، فقالت له: ما بالك خائفًا؟
قال ابن الملك: إن لي عدوًّا، وأنا خائف منه.
قالت الغولة: إنك تقول، أنا ابن الملك؟
قال ابن الملك: نعم.
قالت الغولة: ما لك، لا تعطي عدوك، شيئًا من المال، فترضيه به؟
قال ابن الملك: إنه لا يرضى بمال، ولا يرضى إلا بالروح، وأنا خائف منه، وأنا رجل مظلوم.
قالت الغولة: إن كنتَ مظلومًا، كما تزعم، فاستعِنْ بالله عليه، فإنه يكفيك شرَّه، وشرَّ جميع ما تخافه.
فرفع ابن الملك، رأسه إلى السماء، وقال:
أغويتني من بعد ما استدرجتني
مستحوذاً حتى على أنفاسي
ونفذت في اعماق نفسي فاتحا
حتى ملكت منافذ الإحساس
أسرفت يا إبليس في الوسواس
فأعوذ منك برب هذا الناس
ثم قال: يا مَن يجيب، دعوةَ المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، انصرني على عدوي، واصرفه عني، إنك على ما تشاء، قدير.
فلما سمعَتِ الغولة دعاءه، انصرفت عنه، وانصرف ابن الملك، إلى أبيه سالماً، وحدثه بجميع ما جرى له، من حديث الوزير، حتى ما جرى مع الغولة، فاستدعى الملك الوزير، وقتله حالا.
وأنت أيها الملك، وإن كنتَ أحسنتَ إلى هذا الحكيم، وقرَّبته منك، فمتى آمنت له، قتلك أقبح القتلات، فإنه جاسوس، اتى من بلاد بعيدة، في طلب هلاكك، أَمَا ترى، أنه أبرأك من المرض، من ظاهر الجسد، بشيء أمسكته بيدك، فلا تأمن، أن يُهلِكَك، بشيء تمسكه أيضًا.
قال الملك فامان: صدقت يا أيها الوزير، وغضب.
قال الوزير: من الممكن أنه يعمل على هلاكك، في شيء تمسكه بيدك.
وغضب الملك فامان، وقال: صدقت يا أيها الوزير، قد يكون، كما ذكرتَ، أتى جاسوسًا، في طلب هلاكي، وإذا كان، أبرأني بشيء أمسكتُه بيدي، فإنه يقدر أن يهلكني، بسَمّه.
ثم، إن الملك فامان، قال لوزيره: أيها الوزير الناصح، وكيف العمل؟
قال الوزير: أيها الملك، أرسل الآن خلفه، واحضره بين يديك، فإنْ حضر، فاضرب عنقه، فتُكفَى شره، وتستريح منه، واغدر به، قبل أن يغدر بك، تكون، قد فزت بطلبك.
قال الملك فامان: هذا هو الصواب، والامر الذي لا يعاب.
وأدرك لُبَابَة الصباح، فسكتت عن الحديث المباح.