غش الذهب والفضة في القرن السادس بعد الهجرة، وكشفه

أبو الفضل الدمشقي ، في كتابه: "الإشارة إلى محاسن التجارة، وغشوش المدلسين فيها"، الذي الفه في القرن السادس بعد الهجرة، اي الثاني عشر ميلادي، قال:

لما ذكرت مواقع الحاجة إلى المال الصامت (كالذَّهب والفضَّة والدراهم المضروبة، وعكسه الناطق كالماشية)، وجب أن أذكر ما يمتحن به، فتعلم جودته، فتؤمن مغبة غشوش المزيفين.

فأما الذهب فمن ذلك الحمي في النار، فمتى كان فيه جسم اخر من النحاس أو الفضة، اسودّ، أو اخضرّ، وتغيرت سحنته. وقد يمكن بعض حذاق المدلسين، في تدبيرات الذهب الغش بما يحسنه في الحمي.

ومنه الوزن، بتأمل الثقيل والطنين، ولا ينتفع بهاتين العلامتين إلا من تدرب من الصيارف، والمدركين (مُدْرِكٌ لِلْأُمُورِ: فَاهِمٌ لَهَا)، والصاغة، فإن للذهب من الثقل، وتلزز الأجزاء، صفة لا يدانيه فيها ما يغش به.

وكذلك صوته إذا نقر، فإنه رخيم (رقيقٌ، لَيّن) معتدل، فإذا غش بالنحاس، أو الفضة، ظهر في صوته دقة وحدة تدل على صلابة وصلت في مجسه. وإذا لبس الذهب على الفضة، انحرف إذا نقر، ولم يكن له صوت، وكذلك إذا وتر.

ومنه المحكّ، وقد يتحيّل المدلسون في أشياء تفسد امتحان المحك، بأدوية قوية التحمير توضع على الذهب، وتحمّى وتطفئ في مياه مدبرة، فيظهر في المحك أنه جيد، وهو رديء، إلى غير ذلك من القوى، والطلى، والتخييش بالأوراق.

ويفسد امتحان المحك أيضاً، إذا وتر الذهب، وهو أن يعلّق العَلَقُ الصامت، أو السبيكة وهي غليظة، فيعمل الدواء في ظاهر العلق فيجود، ولا تصل قوة الدواء إلى باطنه فيبقى رديئاً على حاله، إلا أنه ينقص صوته في الطنين، فيستدل عليه بذلك.

ومنه القطع بالكاز (المفراصُ الكَاز، آلة من حديد تقطع بها الْمَعَادِن) وهو قد يكذب إذا كان الدينار مخيشاً بأوراق قوية، فإنه ينزل منها مع حدّ شفرة الكاز من الجانبين، ويطبق على القطع فيظهر أنه ذهب والكسر أصدق منه.

فأما العلامة التي لا يدخلها ريب، ولا يجوز عليها الغِشُّ، والبرهان الذي لا تنجح فيه حيلة المحتال، فهو التعليق، وهو أن يدق الذهب، ويعبى سافات من الأجزاء المدقوقة والملح في إناء فخار، وتوقد عليه النار عشرين ساعة، فما ثبت على ذلك، وظهر حسن رونقه ولونه عند خروجه من النار، ولم ينقص كثير نقص، زالت الشكوك فيه.

فأما الفضة، فإن المحك الأعظم فيها سبك الروباس (هِيَ الآلة التي يميز بها بين جيد الفضة وخبيثها) ، فما ثبت عليه زالت الشكوك فيه.

إن كثيراً من المتعرضين لصنعة الكيمياء، يطهرون النحاس ويبيضونه، إلى حد أن يصاغ منه سائر الأعلاق، ويمد خيوطاً، ويستعمل في سائر الصناعات كلها، ويطلي بالذهب، ويجري عليه السواد، ويثبت لونه في الحمي والمحك وبعد البرد، فإذا دخل تحت الروباس تلف.

مَا بَين ورد كالخدود
وأقحوان كالثغور
وَعَلَيْك بِالذَّهَب الَّذِي
أجراه روباس الْعصير
مَا زَالَ يسبك بِالَّذِي
قد شب من نَار الهجير
حَتَّى صفا فَكَأَنَّهُ
دمع الطليق على الْأَسير

والعلامة التي هي دون هذا في الاحتياط، الحمي في النار، فإن كان رديئاً اسود، وقد يكون العلق من الفضة حسن الصنعة مموهاً بالذهب، يجرى عليه السواد، فان أحمى تلفت الصنعة، فلا تسخو النفس بذلك.

والحيلة فيه، أن يبرد من بعض حروقه شيء يسير، فتؤخذ تلك البرادة وتوضع على صفحة حديد، وتحمى في النار، ثم يتأمل لونها، فإن ذلك ينوب عن حمى جملته.

والعلامة التي هي دون هذا، هي أن يبرد العلق، ثم ينظر الموضع الذي كشف المبرد بعد ساعة إن كان تغير، ويحك بالمحك في الموضع المكشوف بالمبرد، ويقرن إليه العيار. وقد تكذب العيارات إذا كان الحمل أصفر.

وبيان الحمل من النحاس الأصفر في الحمي، أكثر من بيانه في المحك، لأنه في الحمي يعطيك اللون الأسود.