تخزين وحفظ الأطعمة، في القرن السادس بعد الهجرة، اي الثاني عشر ميلادي

الغلات التي تخزن في المواضع الندية، لا تكاد ان تبقيها الحرارة العفنة. اذن أفضل المخازن، هي التي تكون ناشفة من البلل، والنداوة، حيطانها وارضها، وان كانت مبلطة مُحْكَمَةٌ فيكون أفضل.

فأما أبوابها، وطاقاتها التي للضوء، فيجب ان تكون في مهب الرياح الطيبة النسيم، الأقل رطوبة وعفنا.

وبالإضافة الى النداوة، يجب الحِفظْ، والتَّوَقِّي من الفئران، فهي أكثر الافات. لذلك، يجعل في المخازن في بعض الأوقات السنانير، ومصائد الفئران، والأدوية التي تسحق، وتعجن بالدقيق والخبز لقتل الفأر، كالزرنيخ، والخربق الأسود (نوع نبات مُسِمْ)، والمرتك (أحد المعادن الطبيعية لأكسيد الرصاص الثنائي، وهو مُسِمْ)، وغيرهما.

فأما السكر الأبيض والأحمر، فانه يبقى مدة طويلة، متى حفظ من النداوة والفئران. وأفضله، ما صلب وصفا لونه، واردؤه، ما مال لونه إلى السواد، وطعمه إلى الملوحة.

وأما عسل النحل، فإذا كان جيداً، بقي مدة كبيرة، لا يتغير ولا يفسد.

وأما عسل القصب، والربوب بأجمعها، فإنه متى كانت فيها رقة، ولم تكن نارها زائدة وهي غليظة القوام، فإنها تفسد وتحمض.

وقد قال ابن البيطار، بانه توجد ثلاثة أنواع من قصب السكر. فمنه أبيض، ومنه أصفر، ومنه أسود. والأسود لا يعصر، وإنما يعصر الأبيض والأصفر، وتسمى عصارته، عسل القصب.

والربوب، فهي عند الأطباء، بأن يؤخذ ماء الشيء من النباتات والثمرات، بأن يغلى بالماء، أو بأن يدقّ ويعصر، ثم يصفّى، ويغلظ بالطبخ أو بالشمس.

واما الفواكه اليابسة، كالتين، والزبيب، والعناب، والجوز، والفستق، واللوز، والبندق، فيستغنى عن وصفها لكثرة استعمال الناس لها، ومعرفتهم بها.

وأما الفواكه الرطبة، فإنه متى احتيج إلى حفظ شيء منها، في الأسفار، أو ما يجري مجراها، فإنها إذا جعلت في عسل النحل، حفظت.

والجبن اليابس، يطلى بعكر الزيت، وأما القنبريس، وهو نوع من الجبن، فلا يثبت إلا في البلاد الباردة، الشديدة البرد.

وأما الحنطة، فتختلف مدة بقائها في البلاد، بحسب أهويتها، وتربتها، والسقي منها، والغذاء. ويصونها أهل كل بلد، بنوع من الصيانة، خلاف الآخر، على قدر ما جربوه وعرفوه.

ومما يعم في الاحتياط عليها في أكثر البلاد، أن يتخير القمح للخزن، فيدخر منه ما كان أسمر لوناً، وأصلب جسماً، أو ما كان عدياً، أو في مواضع جبلية، وما كان منه غير مقطوع، وقد كمل سمنه، وأحكم جفافه، وأقام في بيدره، ثم حمل على الظهر.

وإذا خلط في كل مئة جزء من الحنطة، جزء من الرماد الأبيض حفظها.

والاحتفاظ في خزن الشعير، وشعير الأرز، والقطاني على اختلاف أصنافها، والسمسم بقشره، والدخن، كالاحتياط على الحنطة، وأما بزر الفجل فيحفظ من النداوة خاصة.

وأما الدقيق، متى نخل، وزالت عنه نخالته، وخلط معه من الملح المسحوق بقدر حاجته، وحشي في خوابي (وعاءٌ)، فإنها جيدة، وتبقى مدة أشهر، ومتى عدمت الخوابي، وحشي في جوالقات (جِرَابٌ كَبِيرٌ) أدم (جلد)، أو ظروف مدبوغة نظاف، بقي مدة، وقد يضره الملح في البلاد القريبة من البحر.

وأما الزيت، فيجب أن يختار من المخازن ما كان دفيئاً سخناً، وتكون أرضه محكمة التبليط، وحيطانه موزرة (الوَزَرُ : الجبلُ المنيع ) بالجبس والجير، ويكون بابه، وطاقات الضوء فيه، إلى جهة الرياح الحارة.

وذلك نافع من جهة، أنه متى كان دفيئاً سخناً، كانت الخوابي فيه سخنة، فيرق الزيت، وينصقل، ويكتسب لمعاناً وحسناً، وكون أرضه وحيطانه محكمة، لم يكن فيها جحر فأر.

وأما الخل، فيعتمد في خزنه، والاحتياط عليه، كما وصف في الزيت سواء، ويحكم تغطية جميع الخوابي، ثم تطين أغطيتها بالجبس، وتختم بالرشوم (وشم وخطوط).

وتحتاج أوعيت الخل أن تكون مزفتة، ومتى ضعف، وقلت حموضته، وكثر دوده، فيؤخذ بعضه فيغلى، ويرد على باقيه، ويطرح فيه فلفل مدقوق.

وأما دُهْنُ السِّمْسِمِ، فلا يصلح للخزن، بسبب انه يروح ويتغير طعمه سريعاً، فلا يجب أن يستعمل الا طريا.

واما إذ احتيج إلى ادخار اللحم، لأجل الأسفار، أو الحصار، أو ما شاكل ذلك، فيجب أن يشرح، وينقى من العروق والعظام، ويجعل عليه ملح قليل، ثم يعبى على بلاطة.

يوضع عليه لوح، ويثقل بأحجار، ويترك ست ساعات حتى يتصفى ما فيه من الدم، والمائية.

ينشر على حبل، في الهواء والظل، ست ساعات أيضاً.

يقطع، ويقلى في القدر على النار، بالشحم المسال والزيت، حتى ينضج، من غير أن يكون طرح في الشحم الذي غلي به، ملح، ولا أبزار (التَّوَابِلِ الأفَاوِيهِ مِثْلَ الكَمُّونِ وَالفُلْفُلِ وَالخَرْدَلِ وَالقَرَنْفُلِ وَ...)، إلا القِرْفَة فقط.

يرفع في أواني فخار، وتحكم تغطيته.

وكذلك الشحم، إذا جفف في الظل، بعد أن ينقى من العروق، والغدد، وينشف حتى لا يبقى فيه نداوة، ويرفع من غير أن يملح فإنه يبقى مدة.

وإن سلي (اسيل) الشحم، والالية (ما تراكم من شحم في موضع العجز، أو الذَّيل)، وأسرع في أن لا يحترق، ولم يجعل فيه ملح، ولا أبزار، ورفع في إناء مدهون، فإن ذلك يبقى مدة كبيرة.

وأما الصابون، فانه يتخير له من المخازن، ما كان بارداً هوائياً، فيودع فيه.

وأما الحطب والفحم والتبن، فهذه الأشياء بما يجب الاعتناء بتحصيلها في ابانها (وَقْتِهِا)، وحفظها، لا سيما إذا كانت الحاشية والدواب كثيرة، فإن ذلك مما يجب أن يصرف الاهتمام إليه، وأن لا يغفل أمره البتة.

فقد قيل، إن حصر بعض الحصون وامتنع، وكان عند أهله سائر الأقوات، فعدموا الحطب، فأوقدوا أبوابهم، وسقوف بيوتهم، فلما نفذ، سلموا الحصن، وألقوا بأيديهم لعدم الحطب.

وقيل مكتوب على باب مدينة قرطاجنة، الحطب، القمح، الحطب، فجعلوا الحطب مرتين، والقمح مرة واحدة.