كما يعرف النافع ليستعمل، كذلك يجب ان يعرف الضار، ليُجتنب.
ولا يكفي التحرز عن طعام العدو، فقد يقع في طعام الإنسان نفسه، من الحيوانات الرديئة، كالعقرب، وغيره، ما يسمه فيقتل.
وليترك المحترز، الأغذية القوية الطعوم والروائح، فأكثر ما يدس السم فيها، ليخفى طعمه، وريحه. ولا يدخل في فمه شيئاً غير معروف، ولا يشمه، ولا يدلك به بدنه. وليسد في المنازل الخربة الكوى، ويبخر بالأدوية الطاردة للهوام، ويحترس. وينبغي أن لا يسترشد أحد إلى حيوان لا يعرفه، بل يتوقاه جهده.
والسموم، منها جمادية من معدنية وغيرها، ومنها نباتية، ومنها حيوانية.
فالمعدنية، كالزئبق الحيّ (المعدني بحالته الطبيعية)، فإذا شرب فانه يسبب وجع شديد في الأمعاء والبطن، ثم يخرج كما هو، ومن يصب في أذنه، فإنه يعرض له ألم شديد، واختلاط عقل، وربما تأذى، وربما تأذى إلى صرع وسكتة، لتأذي جوهر الدماغ.
واما الزئبق الميت، (كلوريد الزئبق الثنائي)، فإنه رديء، قاتل، ضار، مقطع، يهيج منه وجع شديد في البطن، ومغص، ومشي الدم.
وفي جملة السموم الجمادية، من المعدنية وغيره، كربونات الرصاص الثنائي، الجص، الكلس، الزرنيخ.
واما السموم النباتية فالأفيون مثلا، فانه يعرض لمن شرب الأفيون، سبات، وضيق نفس، وصفرة، ودوار، و خدر الأطراف وبردها وكمودها، واعتقال اللسان، وغؤور العين، ثم يعود إلى كزاز خانق، وعرق بارد، ونفس بارد، وموت.
وفي جملة السموم النباتية، البنج (الأسود)، الفطر الرديء، الخَرْبَقُ (قاتل الذئب)، الجوز الماثِل، السيكران.
واما الحيوانية، فمنها ما هي، لحم ذلك الحيوان، وجملة بدنه كيف كان، كبعض الأسماك، ومنها ما هي عضو خاص من حيوان، كعضة الافعى.
ويختلف تأثير السموم حسب السم، فمنها ما يسبب بتسديد مجاري النفس، ومنها ما يسبب الاجماد والتخدير، ومنها الاحراق والتلهب. وَأَيْضًا، فَإِن من السمُوم مَا يحمل على عُضْو وَاحِد بِعَيْنِه، كالرئة، وَمِنْه مَا يحمل على جملَة الْبدن، او أَن يكون فعله بعد حِين، وكلما بَقِي فِي الْبدن كَانَ فعله أردأ.
ومن السموم، ما فعلها في البدن، يكون، بضروب أفعال الأدوية، ولذلك، يمكن في مثل هذه، إذا تنوول منها اليسير، أن تكون أدوية.
ويستدل على السم، بما يحدث في البدن من الأوصاب (اوجاع، مرض).
فإن حدث شبه لذع، وتقطع، ومغص، عرف أن السم من قبيل الزرنيخ.
وإن حدث التهاب شديد، ودرور العرق، وحمرة العين، وكرب، وعطش، دل على أنه سم مثل الحَلَبْلُوب.
وإن حدث سّبات، وخدر، وبرد، دل على أن السمّ من قبيل المخدّرات.
إن لم يظهر إلا سقوط قوة، وعرق بارد، وغشي، فهومن السموم التي تضاد الإنسان بجملة الجوهر، وهو أردؤها.
ويستدل على السم بالروائح، إما رائحة البدن كله، وإما رائحة عضو منه، وبما يخرج بالقيء، إذا خرج فيه، لم يبعد أن يقع البصر، على جوهر ما سقي منه، أو يعرف بالرائحة، أو بالطعم.
فان عرف السمّ، عالج كل سم بما بما يقال في بابه، ومن التدبير في بعض السموم، أن تبادر بعلاجه فتقيئه، او ان كان يجد ذلك فاسقه دواء لين الإسهال، وعطسه في بعض الأحايين، وانفخ الريح في فمه إذا ضعف جداً.
فإن سكن كل ما يجد فذاك، وإلا، فانظر أي الأعراض تعرض له، فإذا انشرحت الصورة يستدل على السم.
وإن تواتر الغشي، وضعف، وغارت الحدقة، وسقط النبض والنفس، وجاء منه عرق قليل بارد، فإنه هالك، قلما يعيش.
وأما نهش الهوام ولدغها، فليوثق ما فوق النهشة شداً، ساعة تقع اللدغة، وليمص الموضع، ويوضع عليه محاجم (قدح أو أنبوب زجاجيّ منتفخ) بنار ويشرط (شقه، طعَّمه)، ويضمد، وليبادر، فيسقى من ترياق.
وإن كانت النهشة في عضو صغير، وكانت النهشة من جنس إحدى الأفاعي، المعروفة بالرداءة، وقلة الخلاص منها، فليقطع العضو من ساعته، مما دون الشد.
والحيات، فمنها السامة، التي تختلف قوة سمّها. ومنها الغير السامة، فلا تضر الا بالجراحة، وتعالج قرحة لسعها، وتوجع وجع الجراحة فقط.
فأما لطرد الحيات، فيمكن استعمال:
- الكبريت (مادّة معدِنيّة لا فلزِّيَّة صفراء اللّون، هشّة، لا تنحلّ في الماء، عديمة الطّعم والرائحة، شديدة الاشتعال، ذات لهب أزرق، توجد حول البراكين، تدخل في صناعة البارود الأسود، ومبيدات الحشرات وتركيب بعض المستحضرات الصيدليَّة كالأدوية والمراهم، وفي صناعة الثقاب) .
- الخل.
- الأمونيا.
- اما الخردل، فانه يقتلها، وإذا وضع على مسكنها، هربت منه.
ومن الاساطير التي انتشرت في القرن الرابع هجري، أي العاشر ميلادي، ان الحية المكللة، وقد سميت كذلك لأنها مكللة الرأس، هي شديدة الرداءة، تحرق كلى ما تنساب عليه، لا ينبت حول جحرها شيء، إذا حاذى سكنها طائر سقط، ولا يحس بها حيوان إلا هرب، فإن قرب منها حذر، فلم يتحرك ثم يموت، ومن نهشته، ذاب بدنه، وانتفخ، وسال صديداً، ومات في الحال، وقد مسها فارس برمحه فمات هو وفرسه.
ومن الاساطير، انه قد قيل، إن جلد النمر لا تقربه حية، وان تفل الصائم يقتل الحيات والعقارب، وانه وإذا وضع الفجل المقطع على جحره العقارب، لم تجسر على الخروج منه.