وفي الغد، قالت لُبَابَة: بلغني، أيها الملك السعيد، أنه، تقدَّمَ الغريب الثاني، وقال: هذا عجب! ويا سيدتي، لإطاعة أوامرك، ولكي تفهمي، المغامرة الغريبة، التي فقدت بها، عيني اليمنى، يجب أن أرجع، وما حياتي!
يا سيدتي، أنا ما وُلِدت أعور، أنا، أميرٌ أيضًا بالولادة، وكنت بالكاد، طفلا رضيعا، عندما لاحظ الملك، والدي، أني أمتلك الفطنة والذكاء، فكرس، جهدا عظيما، لتعليمي.
لقد استدعى والدي، من كل جزء من مملكته، الرجال، الأكثر شهرة في العلم، والفنون، وعلمني، وعَلَّمُوني.
فما إن علمت، كيف أقرأ، وأكتب، حتى حفظت القرآن، ذلك الكتاب العظيم، وحتّى لا تكون معرفتي سطحية، فقد أجريت دراسة، عن تاريخنا، وازددت في الفصاحة والبلاغة، وقرأت كلامَ الشعراء، وشرحته، و
أَخِـي لَـنْ تَنَالَ الْعِلْمَ إِلَّا بِسِتَّةٍ
سَأُنْـبِـيـكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ
ذَكَاءٌ وَحِرْصٌ وَاجْتِهَادٌ وَبُلْغَةٌ
وَصُـحْـبَةُ أُسْتَاذٍ وَطُولُ زَمَانِ
واجتهدت في الجغرافيا، وسائر العلوم، وكنت حريصا، على معرفة لغتنا، في صفائها، وكان من دواعي سروري، الخطّ، وبالاجتهاد والمثابرة، برعت في تشكيل أحرف لغتنا العربية، وأتقنت فن الكتابة، حتى فقت أهل زماني، وشاع ذكري، وكل هذا، قمت به، دون إهمال التمارين، التي يجب أن يتقنها، الأمير.
لقد منحتني الشهرة، شرفًا، أكبر مما أستحق، فلم تقنع، بنشر آثاري، في مملكة والدي، لكن، تَنَاقَلتها، وشاع ذكري، في سائر الأقاليم والبلدان، وشاع خبري، عند سائر الملوك.
وسمع بي ملك كانم، الذي تطلع لرؤيتي، فأرسل، الهدايا العظيمة، إلى والدي، مع طلب، أن أزوره. وفرح والدي، لأسباب عديدة، فقد كان سعيدًا جدًا، بفرصة تكوين صداقة، مع سلطان كانم، وشعر، بالثقة، من أن سفري، إلى مملكة أعجمية (خارجية)، هو أفضل شيء ممكن، لأمير، في عمري.
وبسبب طول الطريق، وصعوباته، تجهزت للسفر، مع القليل من الاعوان والأمتعة، ولا زلنا مسافرين مدة شهر كامل، وإذ رأينا من بعيد، سحابة هائلة من الغبار، وبعد ذلك، بوقت قصير، بان ستون فارسًا من الاعراب، فتأملناهم، فإذا هم قطَّاع طريق، اقتربوا منا، بأقصى سرعة.
فلما رأونا، ومعنا عشرة أحْمال (الأَجمال التي عليها الأَثقال) هدايا، كنت سأقدمها لملك كانم، باسم والدي، ونحن نفرُّ قليل، شهر اللصوص، سيوفهم، دون تردد.
غير قادرين، على درأ القوة، بالقوة، وإِنّ لَمْ تَغْلِبْ، فَاخْلُبْ (الخِلاَبة هي الخديعة، ويراد به، الْخُدْعَة في الحرب، وكما قيل: نَفَاذُ الرأي في الحرب، أنفذ من الطعن، والضرب)، أشرنا إليهم، وقلنا: نحن رسل، إلى ملك كانم، فلا تؤذونا، وأنَّه نأمل، ألا تفعلوا شيئًا، يتعارض مع الاحترام، الذي تدينون به له.
واعتقدنا، أنه بهذا النداء، نحافظ، على حياتنا وأحْمالنا، لكن، أجاب اللصوص بوقاحة: لماذا تفترضون، أنّا، سنحترم ملك كانم، نحن لسنا في أرضه، ولا تحت حكمه.
وبعد قولهم هذا، حاصرونا، وهاجمونا على الفور، من جميع الجهات، ودافعت عن نفسي، لأطول فترة ممكنة، لكن، عندما وجدت، أني مصاب، ورأيت، أنهم قتلوا من معي، وأنه، قد اشتغلت الأعراب، بالمال والهدايا، التي كانت معنا، استفدت، من بقية قوة حصاني، الذي كان قد أصيب أيضًا، فخرجت منهم، هارباً.
لقد دفعت الكائن المسكين، قدر ما أمكنه، أن يحملني، ثم، سقط فجأة، ميتًا من التعب، وفقدان الدم، فاستخلصت نفسي، من الفرس الساقط، بأسرع ما هو ممكن، ووجدت، أنه لم يلاحقني أحد، فافترضت، أن اللصوص، انغمسوا في النهب.
وهكذا، تُركت وحدي، وكنت غنيا، فصرتُ فقيرا، وكنت عزيزًا، فصرتُ ذليلًا، جريحًا، معدومًا من كل مساعدة، في بلد، كنت فيه، غريبًا.
وقمت بربط جرحي، الذي لم يكن خطيرًا، وكنت أخشى العودة إلى الطريق، خوفا من السقوط، مرة أخرى، في أيدي اللصوص، فسرتُ بقية اليوم، وفي المساء، وصلت إلى مدخل كهف، فدخلت، وأكلت بعض الفاكهة التي جمعتها، وأمضيت الليل في الكهف، في أمان، حتى طلع النهار.
ولعدة أيام، واصلت رحلتي، دون أن آتي، إلى أي مكان، يمكنني السكن إليه، وسرت، وتغيَّرَتْ حالتي، واسود جهي، ويداي وقدماي، من الشمس الحارقة، وسرت، واهترأت نعالي، فاضطررت للسفر، حافي القدمين، وسرت، فخَرَقَت ملابسي.
تَرَوْنَ بُلُوغَ المَجْدِ أنّ ثيَابَكُمْ
يَلُوحُ عَلَيْكمْ حُسنُها وَبَصِيصُها
وَلَيسَ العُلا دَرّاعَةً وَرِدَاؤهَا
وَلا جُبّةً مَوْشيّةً وَقَميصُها
وبعد قرابة شهر، وصلت، إلى مدينة كبيرة جدا، مكتظة بالسكان، تتمتع بموقع، مبهج نافِع، تتدفق حوله، عدة أنهار، ولَّى عنها الشتاء ببرده، وأقبل عليها، الربيع بورده. وما خلقت! مدينة طيبة، طلعت ازهارها، وتموّج هوائها! فمن وسط الأسف المرير، الذي شعرت به، في موقفي البائس، أَمَّت في نفسي البهجة، وتلاشت، تَرْعِيَة غيظي.
ودخلت المدينة، من أجل سماع، اللغة المحكية، ومعرفة، مكان وجودي، فخاطبت خياطا، كان يعمل في دكانه، وسلَّمتُ عليه.
فردَّ الخياط، عليَّ السلامَ، ورحَّبَ بي، واستوقف انتباهه، مظهري، ورأى عليّ، أثر النعمة، فسألني، من أنا، ومن أين أتيت، وما الذي أوصلني، إلى هذا المكان؟
ولم أخف عن الخياط شيئًا، وأبلغته، بكل الأحوال، التي حدثت لي، ولم أتردد، في الكشف عن اسمي.
واستمع لي الخياط، بلطف، وانتباه شديد، وتأثر لبؤسي، ولكن، عندما انتهيت من روايتي، بدلاً من إعطائي، أي عزاء، زاد، من قلقي.
احذر! قال الخياط، كيف تمنح، المعلومات، التي قدمتها إلي، إلى أي شخص آخر، ولا تُظهِر، ما عندك، فإني أخاف عليك، من ملك هذه المدينة. يا فتى، السلطان، الذي يسود هذه المملكة، هو أكبر عدو، للملك والدك، وإذا تم إبلاغه، بوصولك إلى هذه المدينة، فأنا لا أشك، في أنه سيلحق بك، بعض الشر.
عندما أخبرني الخياط، باسم السلطان، رأيت، أنه تحدث بصدق، ولكن، نظرًا، لأن العداوة، بين والدي، وهذا الملك، لا علاقة لها، بمغامراتي، فلن أدخل، في أي تفاصيل عنها.
وشكرت الخياط، على النصيحة، التي قدمها لي، وأخبرته، أنني أثق، في مشورته الصالحة، ولن أنسى أبدًا، الجميل، الذي أظهره لي.
وقَدَّرَ الخياط، أنه ينبغي، أن أكون جائعًا، فأحضر لي شيئًا، لآكله، بل، وعرض علي، مسكناً في منزله، وقبلت، كرم ضيافته.
وبعد بضعة أيام من وصولي، ملاحظًا، أنني تعافيت، بشكل مقبول، من آثار رحلتي، الطويلة المؤلمة، وعلى معرفة، أن معظم الأمراء في ديننا، يتخذون الاحتياطات اللازمة، للإلمام، ببعض الصنائع، أو بتجارة، مستعدين للدهر، فَلاَ حزناً يَدوم، ولا سرورا، سألني الخياط: أَمَا تعرف صنعةً، تكتسب بها؟ أي شيء، يمكننك من خلاله، كسب لقمة العيش، دون أن تعيش حملاً، على أي شخص؟
فأخبرته، أني، على دراية جيدة، بالعلوم، وأني، أديباً شاعراً، نحوياً خطاطاً، أكتب، بشكل جيد، وملحوظ.
أجاب الخياط: ومع كل هذا، لن تحصل في هذا البلد، على لقمة من الخبز، فليس في مدينتنا، مَن يعرف علمًا ولا كتابةً، غير المال.
إذا اخترت اتباع نصيحتي، أضاف الخياط، ونظرًا، لأنك قوي، وذُو عَزْمٍ، شد وسطك، واحتطب في الغابة المجاورة، حطبًا، يمكنك، بعد ذلك، الذهاب، وعرضه للبيع في السوق، تكتسب دخلاً، يبقيك مستقلاً عن الجميع، ويفرج الله عليك.
وبهذه الوسيلة، يمكنك الانتظار، حتى تصبح الظُّرُوف مؤاتية لك، ولا تعرِّف أحدًا بنفسك، فيقتلوك، وسوف أقوم بتزويدك، بفأس وحبل.
الخوف من أن أعرف، وضرورة، إِعَالة نفسي، حدد عليّ، متابعة هذه الخطة، على الرغم، من التَقَهقُر التي تنطوي عليه.
وفي اليوم التالي، اشترى لي الخياط، فأسًا وحبلًا، وأرسلني مع بعض الحطابين، وأوصاهم بي. ومنذ ذلك اليوم، احتطبت، وكنت آتي، بحزمة كبيرة من الخشب، أبيعها بنصف دينار، آكل ببعضه، وأبقي بعضه، وحصّلت مبلغا من المال، فكفائت الخياط، وتُوَطِّنُ الإِبل، وَتَعَافُ المِعْزَى (أي، أن الإبل، تُوَطِّنُ نفسها، على المكاره، لقوتها، وتَعَافُها المِعْزَى، لذلّها وضَعْفها. يضرب للقوم، تصيبهم المكاره، فيوطِّنون أنفسهم عليها، ويَعَافُها، جبناؤهم).
ودمت على هذا الحال، مدة سنة، ثم، ذهبت يومًا، على عادتي، إلى الغابة ودخلتها، فوجدت فيها خميلة (شجر مجتمع كثير) أشجار، فيها حطب كثير، فدخلت الخميلة، وإذا قصر، محكم البنيان، وجدتُ فيه صبية، نظرت إليَّ وقالت: أأنت إنسي، أم جني؟
قلت لها: إنسي.
فتنهدت الصبية وقالت: لا أدري، مَا أوصلك إلى هذا المكان، الذي، ما رأيت فيه إنسيًّا، أبدًا؟
فحكيتُ لها، ما جرى لي، من الأول إلى الآخر، فصعب عليها حالي، وبكت وقالت: أنا الأخرى، أُعلِمُكَ بقصتي، اعلم، أني بنت ملك الزغاوة، اختطفني عفريت، فطار بي، ونزل في هذا المكان.
فقلت لها: لعل العفريت يحضر، حتى أقتله، فإني موعود بقتل العفاريت، وأريحك، من هذا الجني؟
الأميرة، التي كانت تعلم، نتيجة هذا التدبير، قالت: يا حبذا، إن صحت الاحلام، للأسف، أنا على دراية أفضل بالجني، واهٍ، ستكون أَدَاة تدميرنا، أنا وأنت.
واهتز القصر، وأظلمت، وأرعدت، وأبرقت، فقلت لها: ما الخبر؟
ويا سيدتي، قالت لي الأميرة، دون التفكير، في الخطر، الذي تواجهه: إن العفريت، قد وصل إلينا، انجُ بنفسك، واطلع، من المكان، الذي جئتَ منه.
فمن شدة خوفي،
فَرَرْتُ، فإنْ قالوا الفِرارُ إرَابَةٌ (أوقعه في الريبة والشك)،
فَقَد فَرّ مُوسَى حينَ هَمّ بِه القِبْطُ (الأَصْل بِمَعْنى سكان مصر)
وإنّي لراجٍ أنْ تعودَ، كبدئِها،
ليَ الشّيمةُ (طبيعة) الزّهراءُ والخلْقُ السبطُ (الحسن، اللين)
ونسيت، حبلي وفأسي، فلما صعدت درجتين، التفتُّ لأنظرهما، فرأيت الأرض قد انشقَّت، وطلع منها، عفريت، ذو منظر بشع، رأى الحبل والفأس، فقال: ما هذا، إلا مَتَاعُ إنسٍ، من جاء إليكِ؟
قالت الأميرة: ما نظرت هذا، إلا في هذه الساعة، ولعلهما، تعلقا معك.
رد الجني، بالشتائم والضربات: هذا كلام محال!
وانتابني، ألم عميق، من صراخ وبكاء الأميرة، التي كانت تُعامل بوحشية، وصعدت الدرج، وشعرت، كما لو أنني، أكثر الرجال إجرامًا، حيث اعتبرت، أني، سبب هذه الكراهية القاسية، لشيطان لا يرحم، وشعرت، أنني جاحد، ضحيت بالأميرة، وتحَقّقت، الخطأ الذي ارتكبته، بعد فوات الأوان، فلما وصلتُ إلى الخميلة، ندمت على ما فعلت، غاية الندم.
ثم، مشيتُ، إلى أن أتيتُ، رفيقي الخياط، فلقيته، وهو لي في الانتظار، فقال: إني بتُّ البارحةَ، وقلبي عندك، بسبب سر ولادتك، الذي، عهدت به إلي، ولم أعرف ما أفكر، وخفتُ، أن شخصًا، ما قد تعرف عليك فالحمد لله، على سلامتك.
وشكرت الخياط، على شفقته عليّ، ومودته، ولكني، لم أبلغه بما حدث، ولم أخبره، سبب عودتي، دون فأسي وحبلي، ودخلت خلوتي، وجعلت أتفكَّر، فيما جرى لي، وألوم نفسي.
وانا في هذا الحساب، دخل عليَّ، صديقي الخياط، وقال: في الدكان، شخص يطلبك، ومعه، فأسك وحبلك، قد جاء بهما، إلى الحطابين، وقال: إني خرجت، وقتَ أذان المؤذن، لأجل صلاة الفجر، فعثرتُ بهما، ولم أعلم، لمَنْ هما، فدلُّوني، على صاحبهما، فدلَّه الحطابون عليك، وها هو، قاعد في دكاني، فاخرج إليه، واشكره، وخُذْ فأسك، وحبلك.
فلما سمعت هذا الكلام، اصفرَّ لوني، وتغيَّرَ حالي، وبينما أنا كذلك، وإذا بالأرض انشقَّت، وطلع منها العفريت، الذي أتى بهذه الحيلة، ودخل عليَّ، ولم يمهلني، بل اختطفني، وطار وعلا بي، ونزل بي القصر، الذي كنتُ فيه.
ووا أَسَفاه، يا له من مشهد، إعتصر قلبي، كانت الأميرة، مغطاة بالدماء، جاثمة على لأرض، ميتة، أكثر من حية، وجهها مغمور بالبكاء، وقال الجني، وهو يمسكني: يا فاجرة، أليس هذا عشيقك؟
وألقت بعينيها المخذولة، وبنبرة حزينة، أجابت: لا.
أهذه العقوبة، ولم تقري، أنك تعرفيه!؟ قال العفريت، وهو سبب معاقبتك؟! وإني قمت بتأديبك، بشكل عادل؟
وهل تتمنى، أن أنطق بزيف، فتقتله؟ أجابت الاميرة.
إن كنتِ لا تعرفيه، خذي هذا السيف، واضربي عنقه، صرخ العفريت.
وكيف يمكنني، أن أفعل، ما تطلبه مني؟ وهل تعتقد، أني، يمكنني أن أقتل، شخصًا بريئًا؟ أجابت الاميرة.
ما يهون عليك قتله، ويبدو، ما كان في صدرك، تكتمي، والتفت إلي الجني، وقال: وانت، أما تعرف هذه؟
وكيف الجحود والغدر، إذا لم أحافظ على حياتها، كما حافظت، على حياتي، فقلت: هذه هي المرة الأولى، التي أراها.
خذ السيف، واقطع رأسها، أجاب الجني، هذا هو ثمن حريتك، والطريقة الوحيدة، لإقناعي، بأنك لم ترها من قبل.
ولا تتخيلي يا سيدتي، أنني اقتربت، من أميرة الزغاوة الجميلة، رَجَاةَ، أن أصبح أداة، فظاعة الجني، فرميت السيف، وقلت: لن أطيع أوامرك أبدًا، ولم أَرَها عمري، أيها العزيز.
أولو سُقِيت كأس الردى، وستعرف غضبي، ثم، أخذ العفريت السيف، وضرب يد الصبية، فقطعها، وأنا أنظر بعيني، و
ليس الجمالُ بمئزرٍ (ثَوْبٌ يُحِيطُ بِالقِسْمِ الأَسْفَلِ مِنَ البَدَنِ)
فاعلم وإن رُدِّيتَ (أُلبست) بُردا (كساء مخطط)
إِنّ الجمالَ معادنٌ
وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا
وأيقَنَت الموت، ونظرت بعينَيْها، ورآها العفريت فقال: أَمَا حذَّرْتُك من هذا؟ والله لقد آذيتني، ولكن!
إضرب، إضرب، لأهلها، قد بدت عجائبها، إذا كانت امرأةٌ، ولم تستحِلّ، ضرب عنقي، خذ السيف واضرب، أنا مستعد!
بدلاً من الامتثال لطلبي، قال العفريت: هذا جزاء، من يخون، وأمَّا أنت، فأي صورة، أسحرك فيها، أكلب، أم حمار، أم قرد.
ثم، شق الأرض، وطار بي، حتى نظرت إلى الدنيا تحتي، فكأنها، قطعة ماء، ثم، حطَّني على جبل، وأخذ قليلًا من التراب، وهَمْهَمَ عليه، وتكلَّم ورشَّني، وقال: اخرج من هذه الصورة، إلى صورة قرد.
ومضى العفريت، وتركني، ومن ذلك الوقت، صرتُ قردًا، في بلد غير معروف، وصبرت على جور الزمان، وعلمت، أن الزمان، ليس لأحد، ونزلت من أعلى الجبل، إلى أسفله، ووصلت إلى بقعة منبسطة، سافرت فيها، مدة شهر، فانتهى في السير، الى ساحل البحر.
وكان سكونٌ عميق، وبصرت سفينة، على بعد من الشاطئ، طاب ريحها، فاستفدت من الظرف، وكسرت من شجرة، غصنًا كبيرًا، سحبته إلى الشاطئ، وقبضت عليه، وقمت بالتجديف، باتجاه السفينة، وعندما اقتربت بما يكفي، أمسكت بحبل، وصعدت إلى سطح السفينة.
وكان التجار، على متن السفينة، يؤمنون بالخرافات، واعتقدوا، أني أكون، سببًا للمحن، وبما أني لم أستطع الكلام، وجدت نفسي، في خطر.
وقال واحد منهم: أَخرِجوا، هذا المشئوم، من المركب، فهو إذا كان في موضع، تنزع منه البركة.
وقال آخَر: انا اقتله.
انا أطلق سهماً على جسده، قال الثالث.
ثم، دعونا نلقي جثته في البحر، قال الرابع.
ولم يكونوا، ليفشلوا، في تنفيذ تهديداتهم المختلفة، لولا القبطان، الذي عَطَف عليّ، وقال: يا تجار، قد أجرتُ هذا القرد، وهو في جواري، فلا أحد يتعرَّض له، يقع بيني وبينه، العداوة.
ثم، إن القبطان، صار يُحسِن إليَّ، وأريته، كم كنت شاكرا إليه، ولم نزل مسافرين، والمركب قد طاب لها الريح، مدة خمسين يومًا، فرسينا بأمان، في ميناء، مدينة تجارية، جيدة البناء، مكتظة بالسكان.
وتم الاحاطة بسفينتنا، بعدد كبير، من القوارب الصغيرة، المليئة بالناس، الذين جاءوا، لتهنئة أصدقائهم، على وصولهم، أو للحصول، على معلومات، عن ما رأي في البلد، الذي جيء منه، وجاء البعض، لمجرد الفضول، ولرؤية السفينة، التي وصلت، من مسافة بعيدة.
ومن بين العداد، صعد بعض رسل الملك، وطلبوا، باسم السلطان، التحدث، إلى التجار، الذين كانوا معنا.
السلطان، قال أحدهم للتجار، يهنِّئكم بالسلامة، ويطَلب، من كل واحد منكم، أن يتحمل عناء، كتابة بضعة أسطر، على لفة الورق هذه.
وشدَّتْ صافية قميصها، بشريط لاعب، ولتفهمي دافعه هذا، يا سيدتي، يجب أن أبلغك، أن الملك، كان له وزيرا، إلى جانب اقتداره الواسع، في إدارة الشؤون، كتب بأجمل أسلوب، وقد مات هذا الوزير، وابتلي السلطان، بخسارته، ولأن السلطان، يقدر الكفاءة في الكتابة، فوق كل شيء، فقد أقسم، على تعيين وزيرًا، الشخص، الذي يكتب، مثل الوزير.
وقدم الكثيرون، نماذجاً، عن قدراتهم، لكن، لم يجد الملك، أيا، يستحق، اِسْتحْواذ مكان الوزير.
وكتب كل من التجار، الذين اعتقدوا، أنهم يستطيعون، الكتابة بشكل جيد، بما يكفي، للطمح، بهذه الكرامة العالية، ما يعتقد، أنه مناسب، وعندما أتم التجار، فعل ذلك، تقدمت، وأخذت الورقة، من يديّ، الذي يحملها، فصرخ الجميع، وخاصة التجار الذين كتبوا، في قلق، معتقدين، أني أقصد، إما تلفها، أو رميها في الماء، لكن، سرعان ما وضّح، عندما رأوني، أمسك الورقة بشكل صحيح، أني، أرغب أيضًا، في الكتابة.
وتحولت مخاوفهم، إلى دهشة، ومع ذلك، ونظرًا، لأنهم لم يروا قط، قردًا، يمكنه الكتابة، ولأنهم لم يصدقوا، أنني كنت أكثر مهارة، من الحيوانات الأخرى، من جنسي، فقد رغبوا، في أخذ اللفة من يديّ، وقالوا: ما رأينا، قرداً كاتبا!
دعوه يكتب، قال القبطان، الذي أخذ جانبي، إذا قام فقط، بتلطيخ الورقة، أعد، بأنني سأعاقبه، على الفور، وإني، ما رأيت قردًا، أفهم منه.
وأخذتُ القلم، ولم أترك الكتابة، حتى أعطيت مثالًا، لستة أنواع مختلفة، من الأحرف المستخدمة، في مملكة العرب، واحتوت كل عينة، على مقطع شعر، من أربعة أسطر، وعندما انتهيت، أخذ الرسل اللفة، وحملوها، إلى السلطان.
فلما تأمَّلَ الملكُ الخط، لم يعجبه خطُّ أحدٍ، إلا خطي، فقال للرسل: توجَّهوا، إلى صاحب هذا الخط، وألبسوه هذه الحلة، وأركبوه، أفضل حصان، من إسطبلي، وأحضروه، بين يديّ.
فلما سمع الرسل، كلامَ الملك، تبسَّموا، فأثار هذا السلوك، غضب الملك، ولكان عاقبهم، لو لم يقولوا: نناشد جلالتكم، أن تعفوا عنا، هذه الكلمات، لم يكتبها رجل، بل كتبها، قرد.
وبدا هذا الأمر، للملك، عُجاباً، ورغب، في رؤيتي، فقال: افعلوا، ما آمركم به، وأحضروا، هذا القرد، المميز.
فسار الرسل، إلى المركب، وأظهروا، أمرهم للقبطان، الذي قال: السلطان، وما تمناه.
وأخذوني من القبطان، وألبسوني الحلة، وحملوني إلى الشاطئ، حيث وضعوني على حصان، واندهشت الخلائق، فصاروا يتفرجون عليّ، وأحضرني الرسل إلى السلطان، الذي كان ينتظرني في قصره، فانحنيت أدبا، فتعجَّبَ الحاضرون، من أخلاقي، ثم، إن الملك، أمَرَ الخلقَ بالانصراف، فانصرفوا، ولم يَبْقَ، إلا الملك، وخادمان، وأنا.
ثم، أمر الملك، بطعام، فقدَّموا، سفرةَ طعامٍ، فيها، ما تشتهي الأنفس، وتلذُّ الأعين، فأشار إليَّ الملك، أن آكل، فقمتُ، وجلست آكل معه، وارتفعت السفرة، فذهبتُ، وغسلتُ يديَّ، وأخذت الدواة والقلم والقرطاس، وكتبت، هذين البيتين:
إن اتقاء المرض المخوف
أفضل من علاجه الموصوف
فنظف الطعام والشرابا
والجسم والمكان والثيابا
كذلك الحدائق الغناء
وكل مجرى كل فيه الماء
فإنها حمالة للداء
تقذفه في داخل لأحشاء
ولا تشربن لبناً أو ماءً
حتى تزيل النار منه الداء
وخذ من البقول والفواكه
والخضر ما تهواه غير واله
وأقلل اللحوم والمغلظا
فهل تحب أن تكون في لظى
ثم، قمتُ وجلست بعيدًا، فنظر الملك، إلى ما كتبته، وقرأه، فتعجَّب، وقال: هل يكون، عند قرد، هذه الفصاحة، وهذا الخط؟
ثم، قدم للملك، شطرنج، فقال الملك: أتلعب؟
قلتُ برأسي: نعم.
فتقدَّمت، وصففت الشطرنج، ولعبت معه مرتين، فغلبته، فحار الملك، وقال: لو كان هذا آدميًّا، لَفاق، أهل زمانه.
كل هذا، تجاوز، ما رآه، أو سمعه السلطان، عن القردة، فقال للخادم، امضِ الى سيدتك، حَلاَوَة الجَمَال، وقل لها: كلِّمي الملك، حتى تحضر، فتتفرج، على هذا الشيء الغريب.
فذهب الخادم، وعاد، ومعه سيدته، إبنة الملك، فلما نظرت إليّ، جذبت حجابها، وقالت: يا أبي، أذهبت غيرتك، كيف طاب عليك، أن ترسل إليّ، فيراني، الرجال الدخلاء.
قال الملك: يا ابنتي، ما عندي، سوى الخادمان، اللذان ربَّايك، وهذا القرد، وأنا أبوك، فممَّن، تتحجبين؟
قالت الاميرة: إن هذا القرد، أو بالأحرى، المخلوق، الذي تراه هنالك، تحت هذا الشكل، ليس قردًا، ولكنه، أمير شاب، ابن ملك عظيم، وهو مسحور، سحره عفريت، ابن، ابنة إبليس، بعد أن قتل بقسوة، أميرة الزغاوة.
فاندهش الملك، من حديث ابنته، ونظر إليَّ، وقال: أحقٌّ، ما تقول عنك؟
فقلت برأسي: نعم.
ومن أين عرفتِ، أن الأمير، قد تحول إلى قرد، عن طريق السحر؟ قال الملك، لابنته.
يا أبتي، كان عندي، وأنا صغيرة، عجوزٌ، ماهرة في السحر، علَّمتني صناعته، وقد حفظته وأتقنته، وعرفت، مائة وسبعين بابًا، من أبوابه، تمكنني، أن أتسبب بنقل عاصمتك، إلى وسط المحيط، كلا، خلف جبل قاف، ومن خلال هذا العلم، أعرف الأشخاص، الذين سحروا، حال أراهم، ليس فقط من هم، ولكن من أيضًا، سحرهم، أجابت الأميرة.
ابنتي العزيزة! هتف السلطان، وفيك هذه الفضيلة ولم أعلم بها! وهل يمكنك أن تخلِّصيه، أجعله وزيري، وامنحك، زوجة له، هذا شاب، لبيب.
فقالت له: حبًّا، وكرامة.
ثم، إن إبنة الملك، أخذت بيدها، سكينًا، مكتوبًا عليها، أسماء، بالخط الكوفي، وخطَّتْ بها دائرة، كتبَتْ فيها، أسماء وطلاسم، ووضعت نفسها، في وسط الدائرة، وقرأَتْ كلامًا، لا يُفهَم، وأظلمت الدنيا، وإذا بالعفريت، وهو في صورة أسد.
يا كلب، كيف تجرؤ، بدلاً من أن تتذلل أمامي، أن تقدم نفسك، في هذا الشكل البشع، أتأمل إخافتي؟ قالت الاميرة.
قال العفريت: يا خائنة، غدرتي، وخنتي اليمين؟ أَمَا تحالفنا، أن لا يتعرَّض، أحدٌ للآخر؟
يا لعين، انت لك، عندي يمين؟ قالت الاميرة.
قال العفريت: فخذي، ما جاءك.
وعند قوله هذا، فتح الأسد، فكيه المروعين، وهجم على الصبية، لالتهامها.
متيقّظة، عادت الاميرة إلى الوراء، وامتلكت فقط الوقت، لأخذ شعرة من رأسها، هزتها بيدها، ونطقت كلمتين، أو ثلاث، فصارت الشعرة، سيفًا حادا، قطعت به الأسد، فصار نصفين.
واختفى الأسد، وبقي رأسه، وتحول العفريت، إلى عقرب كبير، فاتخذت الأميرة، شكل حية عظيمة، وبدأت قتالًا شرسًا، مع العقرب، الذي وجد نفسه، في خطر الهزيمة، فتحول إلى نسر، وطار بعيدًا، فانقلبت الحية، عقابًا، أسودا وأكثر قوة، وتبعت النسر، وفقدنا أثرهم، لبعض الوقت.
وبعد فترة وجيزة، من اختفائهم، انشقت الارض أمامنا، وطلع منها، قطا ابلقا (فيه سواد وبياض)، نخر (مد الصوت في أنفه) وصرخ، وتبعه عن كثب، ذئب أسود، لم يمنحه أي راحة، فتشاحنا، وتقاتَلَا، قتالًا شديدًا، فرأى القط، نفسه مغلوبًا، فانقلب، وصار رمانة حمراء، بدأت في الانتفاخ، وأصبح كبيرة، فانكسرت، وانتثر حبُّها، كلُّ حبة وحدها، وامتلأت أرض القصر، حبًّا.
في غضون ذلك، حول الذئب، نفسه إلى ديك، وانقض، على حب الرمان، وبدأ في أسرع وقت ممكن، يلتقط، ويبتلع، ذلك الحب، حتى لا يترك منه، حبة.
وعندما أكل الديك، كل ما أبصر، أتى إلينا، وأجنحته ممتدة، وصرخ بصوت عال، كأنه يسألنا، إذا كان هناك المزيد، من حب الرمان.
ورأى الديك، الحبة، التي تدارت، في جانب الفسقية (حوض من رخام، في وسطه، نافورة ماء) ففرح، وانقضَّ عليها، ليلتقطها، وهمّ ان يلتقط حبة الرمان، وإذا بالحبة، سقطت في الماء، الذي في الفسقية، فصارت سمكة، وغاصت في الماء.
وتوجه الديك، إلى الفسقية، وانقلب رمحا، ونزل خلف السمكة، ولم نعرف، ما أصبح منهما، وبعد فترة وجيزة، إذا بنا، قد سمعنا صراخًا عاليًا، وبعد ذلك، طلع العفريت والأميرة، وهما شعلتا نار، وأطلقا النيران، على بعضهم البعض، بأنفاسهم.
وانسحب الجني، فما شعرنا، إلا والعفريت، قد صار عندنا، ونفخ في وجوهنا، بالنار، فركضت الاميرة، لمساعدتنا، وأجبرته، على التراجع.
وأصابنا شررُه، فلحقني منه، شرارة في عيني، فأتلفتها، وأنا في صورة القرد، ولحق الملك، شرارة منه، في وجهه، فأحرقت نصفه، ووقعت شرارة، في صدر، أحد الخدم، فاحترق، ومات من وقته، وساعته.
فبينما نحن كذلك، وإذا بقائل يقول: الله أكبر، الله أكبر، قد فتح ربي ونصر، وخذل، مَن كفر.
وإذا بالقائل، إبنة الملك، قد أحرقت العفريت، فنظرنا إليه، فرأيناه، قد صار كوم رماد، ثم، اقتربت منا الأميرة، وطلبت طاسة ماء، على الفور، فأحضرها الخادم، الذي لم تصبه النيران، فأخذتها الأميرة، وتكلَّمَتْ عليها، بكلامٍ لم نفهمه، ثم، رشَّتني ببعض الماء، وقالت: اخلص، إلى صورتك الأولى.
وبالكاد أتمت كلامها، صرتُ بشرًا، كما كنتُ أولًا، إلا أنني، فقدت عينًا واحدة، وكنت أستعد، لشكر الأميرة، لكنها، لم تمنحني الوقت، وتحولت، إلى والدها السلطان، وقالت:
سيدي، لقد حققت النصر، على الجني، كما ترى جلالتك، لكنه، انتصار، كلفني غاليا، لم يتبقَ لي، سوى لحظات معدودة، أعيشها، ولن يتحقق، الزواج المنشود.
في هذه المعركة الشديدة، اخترقت النار جسدي، وأشعر، أنها ستستنزفني، قريبًا، ولم يكن هذا ليحدث، لو كنت قد أدركت، آخر حبة رمان، عندما كنت على شكل ديك، وابتلعتها، فلو لقطتُها، لَمَات من ساعته، وعلى هذا، اعتمد نجاح القتال، وهذا الإغفال، أجبرني على اللجوء إلى النار، والقتال، بهذا السلاح القوي، بين السماء والأرض، كما رأيتني أفعل، وقلَّ، من فُتِح عليه، بابُ النار، ونجا منه، وإنما، ساعدتني عليه الحظوظ، حتى أحرقتُه قبلي، وها أنا ميتة، والله، خليفتي عليكم.
عندما أنهت الأميرة، حسابها، عن المعركة، أجاب السلطان، بلهجة، أظهرت مدى اضطرابه: واه، يا ابنتي! الخادم، مات، والأمير، الذي أنقذته من السحر، فقد عينه! وترين، يا ابنتي، الحالة، التي صار فيها والدك!
ولم يعد، بإمكان الملك، قول المزيد، فدموعه وبكائه، أوقفا كلامه، وتأثرت أنا وابنته، واختلطت دموعنا بدموعه، وتركناها، تعبر عن الحزن والأسى، وصرخت الأميرة فجأة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
ونظرنا إليها، فرأيناها، كوم رماد، هذا المشهد، الكئيب، فتمنيتُ، لو كنتُ مكانها، ولا أرى محسني، يهلك، بهذه الطريقة، ذلك الوجه المليح، الذي عمل فيَّ، هذا المعروف، يصيرُ، رمادًا؟!
فلما رأى الملك، ابنته، صارت كوم رماد، استسلم لليأس، ونطق، بأكثر الكلمات، رثاءً:
بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي
فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي
كأني ما استمتعتُ منك بِضَمَّةٍ
ولا شمَّةٍ في مَلْعبٍ لك أو مَهْدِ
كأني ما اسْتَمْتَعتُ منك بنظْرة
ولا قُبْلةٍ أحْلَى مَذَاقاً من الشَّهْدِ
يا كَوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ
وَكَذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ
كَأَنَّ قَلبي قبره وَكَأَنَّهُ
في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
وأغمي على الملك، وخشيت، أن يخسر حياته، مصاب حسرته، وصرخت!
فأتى الخدام، فرأوا السلطان، بحال العدم، ووجدوا صعوبة، في إعادته إلى الوعي، فلما أفاق، أخبرهم، بما جرى لابنته، حَلاَوَة الجَمَال، مع العفريت، ونظروا، كوما رماد، فعظمت مصيبتهم، وصرخت النساء، وعملوا العزاء!
وحزن السلطان، لفقدان ابنته، وتسبب ذلك، في مرض، ألزمه السرير شهرًا، ولم يتعافى تمامًا، عندما طلبني، وقال: يا أيها الأمير، اسمع، ما أقول لك، وأقْبَل، على الأمر، الذي سأعطيك إياه، ولا تخالفه، فتهلك.
قلت: قل يا مولاي، فاني، لا اخالف لك، أمراً.
يا فتى، قد قضينا زماننا، في أهنأ عيش، آمنين من نوائب الزمان، حتى جئتنا، فأقبلَتْ علينا الأكدارُ، وصرنا، في حالة العدم، فأولًا، عدمت ابنتي، التي كانت تساوي، مائة رجل، وثانيًا، جرى لي، من الحريق، ما جرى، ومات خادمي.
والحمد لله، حيث خلَّصَتْك ابنتي، وأهلكت نفسها، فاخرج يا ولدي، من بلدي، وكفى ما جرى، فاخرج بسلام، قال لي، الملك.
فخرجت يا سيدتي، من عند الملك، وخطر على قلبي ما جرى، وتأسفت على وفاة أميرة كانم، وحَلاَوَة الجَمَال، وأما رماد العفريت، فإنهم ذروه في الهواء سحقا، ودخلت الحمام، قبل أن أخرج من المدينة، وحلقتُ، ثم سافرتُ الأقطارَ، ووردت الأمصار، وقصدت دار السلام، بغداد، لعلي أتوصَّل إلى أمير المؤمنين، أخبره بما جرى لي، أستحق مساعدته، فوصلتُ إلى بغداد هذه الليلة، فوجدتُ هذا الأول، واقفًا متحيِّرًا، فقلتُ: السلام عليك.
وتحدَّثت معه، وإذا بهذا الثالث، قد أقبل علينا، وقال: السلام عليكم، أنا رجل غريب.
فقلنا: ونحن غريبان، وقد وصلنا هذه الليلة.
فمشينا نحن الثلاثة، وما فينا أحد، يعرف حكايةَ أحدٍ، فساقتنا الحظوظ، إلى هذا الباب، ودخلنا عليكم، وهذا سبب حلق ذقني، وتلَفِ عيني.
قالت زبيدة: إنَّ حكايتك، غريبة، وآذن لك، بالاِنصراف.
ولكن، بدلاً من الرحيل، ناشدها الغريب الثاني، أن تتكرّم بالجميل، الذي منحته، للغريب الاول، وأخذ مكانه، بالقرب منه، وأدرك لُبَابَة الصباح، فسكتت، عن الحديث المباح.