١ - المتفقة، المتواطئة، المشتقة
المتفقة أسماؤها، يقال، إنها التي الإسمُ فقط، عامٌّ (شامل) لها، فأمّا قولُ الجوهر، الذي بحسب الإسم، فمخالف. ومثال ذلك: الإنسانُ والمُصَوَّرُ (ζῷον : له معنيان، صورة و حيوان)، حيوان، فإن هذين، الاسمُ فقط، عامٌّ لها، فأما قول الجوهر، الذي بحسب الاسم، فمخالف، وذلك أن، مُوَفِّيا إن وَفَّي، في كل واحد منهما، ما معنى أنه حيوان، كان القول الذي يُوَفِّي، في كل واحد منهما، خاصاً له.
المتواطئة أسماؤها، يقال، إنها التي الإسمُ، عامٌّ لها، وقول الجوهر، الذي بحسب الإسم، واحدٌ، بعينه أيضا. ومثال ذلك: الإنسان والثور، حيوان، وقول الجوهر، واحد بعينه أيضا، وذلك أن، مُوَفِّيا إن وَفَّي، كل واحد منها، ما معنى أنه حيوان، كان القول الذي يُوَفَّى، واحدا بعينه.
المشتقة أسماؤها، يقال، إنها التي لها لقبُ شيءٍ، بحسب اسمه، غير أنها مخالفة له في التصريف (تصريف الكلمات: أصل الكلمة وطرق الاشتقاق منها)، ومثال ذلك: الفصيح من الفصاحة، والشجاع من الشجاعة.
٢ - الاقوال المختلفة، الموجودات
التي تقال: منها ما تقال بتأليف، ومنها ما تقال بغير تأليف.
فالتي تقال بتأليف، كقولك: الإنسان يُحْضِر، الثور يَغْلِب، والتي تقال بغير تأليف، كقولك: الإنسان، الثور، يُحْضِر، يَغْلِب.
الموجودات، منها ما تقال على موضوع ما، وليست البتة في موضوع ما، كقولك: الإنسان، فقد يقال على إنسان ما، وليس هو البتة، في موضوع ما.
ومنها ما هي في موضوع، وليست تقال أصلا، على موضوع ما.
أعني بقولي، في موضوع، الموجود في شيء، لا لجزء منه، وليس يمكن أن يكون قوامه (قوام الأمر: نظامه وما يقوم به)، من غير الذي هو فيه.
مثال ذلك: نحو (علم النحو) ما، فإنه في موضوع، أي في النفس، وليس يقال أصلا، على موضوع ما، وبياض ما، هو في موضوع، أي في الجسم، إذْ كانَ كلُّ لونٍ في جِسْم، وليس يقال البتة، على موضوع ما.
ومنها، ما تقال على موضوع، وهي أيضا في موضوع، ومثال ذلك: العلم، فإنه في موضوع، أي في النفس، ويقال على موضوع، أي على الكتابة.
ومنها، ما ليست هي في موضوع، ولا تقال على موضوع، ومثال ذلك: إنسان ما، أو فرس ما، فإنه ليس شيء من ذلك، وما جرى مجراه، لا في موضوع، ولا يقال على موضوع ما.
وبالجملة، الأشخاص، والواحد بالعدد، لا يقال على موضوع أصلا، فأما في موضوع، فليس مانع يمنع، أن يكون بعضها، موجوداً فيه، فإن كتابة، هي من التي، في موضوع، أي في النفس، وليست تقال، على موضوع أصلا.
متى حُمِلَ (ألحق ب، ضمّ) شيء، على شيء، حَمْلَ المحمول، على الموضوع، قيل، كل ما يقال، على المحمول، على الموضوع أيضا.
مثال ذلك: أن الإنسان، يُحْمَل على إنسان ما، ويُحْمَل، على الإنسان، الحيوان، فيجب أن يكون، الحيوان، على إنسان ما، أيضا محمولا، فإن إنساناً، ما هو إنسان، وهو حيوان.
الأجناس المختلفة، التي ليس بعضُها، مُرَتَّباً، تحت بعض، فإن فصولها، أيضا، في النوع مختلفة.
من ذلك، أن فصول الحيوان، كقولك: المشَّاء (ماشي؛ سائِر)، والطير، وذو الرجلين، والسابح، وفصول العلم ليست أشياء من هذه، فإنه ليس يخالف، علم علما، بأنه ذو رجلين.
فأما الأجناس، التي بعضها، تحت بعض، فليس مانعٌ، يمنع، من أن يكون فصولُ بعضها، فصولَ بعضٍ، بأعيانها، فإن الفصول التي هي أعلى، تُحْمَلُ، عل الأجناس التي تحتها، حتى تكون، جميع فصول، الجنس المحمول، هي بأعيانها، فصول الجنس الموضوع.
كل واحد، من التي تقال، بغير تأليف، أصلا، فقد يدل، إما على جوهر، وإما على كم، وإما على كيف (جعل له كيفية أو صفة معلومة)، وإما على إضافة (نسبة شيئين)، وإما على أين، وإما على متى، وإما على موضوع (مص. وضع)، وإما على أن يكون له، وإما على يفعل، وإما على ينفعل (مُنفعَلٌ به).
فالجوهر، على طريق المثال، كقولك: إنسان، فرس.
والكم، كقولك: ذو ذراعين، ذو ثلاث أذرُع.
والكيف كقولك: أبيض، كاتب.
والإضافة كقولك: ضِعْف، نِصف.
وأين كقولك: في لُوقِين، في السوق.
ومتى كقولك: أمس، عاما أول.
وموضوع كقولك: متكئ، جالسًا.
وأن يكون له، كقولك: مُتَنَعِّل، مُسَلَّح.
ويفعل كقولك: يقطع، يُحْرِق.
وينفعل: ينقطع، يحترق.
وكل واحد من هذه، التي ذُكِرَتْ، إذا قيل، مفردا على حِياله (انْفِرَادِهِ)، فلم يُقَلْ بإيجاب ولا سلب أصلا، لكن بتأليف بعض هذه إلى بعض، تحدث الموجبة (كَلاَمٌ مُوجَبٌ: أَيْ لاَ يَحْتَمِلُ الاسْتِفْهَامَ وَلاَ النَّفْيَ وَلاَ النَّهْيَ، أَيْ مُؤَكَّدٌ)، والسالبة.
وإن كل موجبة، أو سالبة، يُظن، أنها إما صادقة، وإما كاذبة. والتي تقال بغير تأليف أصلا، فليس منها شيء، صادقاً، ولا كاذبا، ومثال ذلك: أبيض، يُحْضِر، يَظفر.
فأما الجوهر، الموصوف بأنه أوَّلٌ بالتحقيق، والتقديم والتفضيل، فهو الذي لا يقال، على موضوع ما، ولا هو في موضوع ما. ومثال ذلك: إنسانٌ ما، وفَرَسٌ ما.
فأما الموصوفة، بأنها جواهرُ ثوانٍ، فهي الأنواع، التي فيها توجد الجواهر الموصوفة، بأنَّها أُوَلٌ، ومع هذه، أجناس، هذه الأنواع أيضا.
ومثال ذلك، أن إنسانا ما، هو في نوع، أي في الإنسان، وجنسُ هذا النوعِ، الحيّ. فهذه الجواهر، توصف بأنها ثوانٍ، كالإنسان، والحيِّ.
وظاهر ممَّا قِيل، أنَّ التي تُقال، على موضوع (إنسان)، فقد يجب ضرورةَ، أن يُحْمَلُ اسمُها، وقولُها (تَّعْبِيرُ) يقال على ذلك الموضوع.
ومثال ذلك، أن الإنسان، يقال على موضوع، أي على إنسانٍ ما، فاسمه يُحْمَل عليه، فإنَّك، تحمل الإنسان، على إنسانٍ ما، وقول الإنسان، يُحْمَل، على إنسان ما. فإنَّ إنسانًا ما، هو إنسانٌ، وهو حيٌّ، فيكون الاسم والقول، يُحمَلان على الموضوع.
فأمَّا التي في موضوع، ففي أكثرها، لا يُحمل على الموضوع، لا اسمها، ولا حدُّها، وفي بعضها، ليس مانع يمنع، من أن، يُحمل، اسمُها على الموضوع، فأما قولها، فلا يمكن.
مثال ذلك: أن الأبيض، هو في موضوع، أي في الجسم، وهو يُحمل على الموضوع، وذلك أن الجسم، قد يوصف، بأنَّه أبيض. فأمَّا قول الأبيض، فليس يُحمل، في حالٍ من الأحوال، على الجسم.
وكلُّ ما سِوَاها (الجواهر الأُوَل)، فإما أن يكون، على موضوعات، أي يُقال، على الجواهر، الأُوَل، وإما أن يكون في موضوعات، أي يقال فيها (الجواهر الأُوَل).
وذلك ظاهر، من قِبَلِ التصفُّح، للجزئيات (جُزْئيّات وكلِّيّات: جوانب خاصَّة وعامَّة أو مسائل صغيرة وكبيرة).
مثال ذلك، أنَّ الحيَّ، يُحْمَل على الإنسان، فهو أيضا، على إنسانٍ ما. فإنه، إن لم يكن، ولا على واحدٍ من أشخاص الناس، فليس هُوَ ولا على إنسانٍ أصلا.
وأيضاً، إنَّ اللون في الجسم، فهو أيضا، في جسم ما، فإنه، إن لم يكن في واحدٍ من الجزئية، فليس هُوَ ولا في الجسم أصلا.
فيجب أن يكون، كلُّ ما سواها، إمَّا أن يكون على موضوعات، أي يُقال، عل الجواهر الأُوَل، وإما أن يكون في موضوعات، أي يُقال فيها.
فيجب إذاً، إن لم تكن الجواهر الأُوَل، ألا يكون سبيلٌ، إلى أن يوجد شيءٌ، من تلك الأُخَر.
وذلك، أن كل ما سواها (الجواهر الأُوَل)، فإمَّا أن يكون على موضوعات، أي يُقال عليها (الجواهر الأُوَل)، وإما في موضوعاتٍ، أي فيها (الجواهر الأُوَل).
والنوع، من الجواهر الثانية، أَوْلى بأن يوصف جوهرا، من الجنس، لأنه أقرب، من الجوهر الأول.
وذلك، أن مُوَفِّيا، إن وَفّى الجوهر الأول، ما هو، كان إعطاؤه النوعَ، أشدَّ ملاءمةً، وأبينَ في الدلالة عليه، من إعطائه الجنسَ.
مثال ذلك، أنه إن وَفّى إنساناً ما، ما هو، كان إعطاؤه، أنه إنسانٌ، أبين في الدلالة عليه، من إعطائه أنه حيّ، فإن ذلك أخص، بإنسان ما، وهذا أعمّ.
وإن وَفَّى، شجرةً ما، ما هي، كان إعطاؤه أنها شجرة، أبين في الدلالة عليها، من إعطائه، أنها نَبْت.
وأيضا، فإنَّ الجواهر الأُوَل، لما كانت موضوعة، لسائر الأمور كلها، وسائرُ الأمور كلها، محمولةً عليها، أو موجودةَ فيها، فلذلك صارت، أَوْلى وأحق، بأن تُوصَف جواهرَ.
وقياس الجواهر الأُوَل، عند سائر الأمور كلها، هو قياس النوع، عند الجنس. إذ كان النوع، موضوعا للجنس، لأن الأجناس، تُحْمَل عل الأنواع، وليس تنعكس الأنواع، على الأجناس، فيجب من ذلك أيضا، أن النوع، أَوْلى وأحقُّ، بأن يُوصف جوهرًا، من الجنس.
وأما ما كان من الأنواع (نوع)، ليس هو جنسا (جنس)، فليس الواحد منها، أَوْلى من الآخر، بأن يُوصَف جوهرا. إذ كان، ليس تَوْفِيَتك، في إنسانٍ ما، أنه إنسان، أشدّ ملائمة، من تَوْفِيَتك، في فرسٍ ما، أنه فرس. وكذلك، ليس الواحد، من الجواهر الأُول، أَوْلى من الآخر، بأن يُوصف جوهرا، إذ كان ليس إنسان ما، أولى بأن يوصف جوهرا، من فرس ما.
وبالواجب، صارت الأنواع والأجناس، وحدها دون غيرها، تقال بعد الجوهر الأول، جواهرَ ثوانيَ، لأنها وحدها، تدل على الجواهر الأُوَل، من بين ما يُحْمل عليه.
فإنَّ، مُوَفّيا، إن وَفَّى إنساناً ما، ما هُوَ، فوفَّاه بنوعه، أو بجنسه، كانت توفيته له ملائمة، وإذا وَفّاه، بأنه إنسان، كان ذلك أبين، في الدلالة عليه، من توفيته له، بأنه حَيّ.
وإن وَفّاه بشيءٍ مما سوى ذلك، أيَّ شيءٍ كان، كانت توفيته له، غريبة مستنكرة، كما إذا وفَّى، بأنه أبيض، أو أنه يُحْضِر، أو شيءٍ من أشباه ذلك، أيَّ شيء، كان.
فبالواجب، قيلت هذه، دون غيرها، جواهرَ.
وأيضاً، لأن الجواهر الأُوَل، موضوعة لسائر الأمور كلها، وسائرُ الأمور كلها، محمولةٌ عليها، أو موجودةٌ فيها، لذلك، صارت أَوْلى وأحقَّ، بأن توصف جواهرَ.
وقياس الجواهر الأُوَل، عند سائر الأمور، هو قياسُ أنواع الجواهر الأُوَل، وأجناسها، عند سائر الأمور الأُخَر، كلها، وذلك أن سائر الأمور كلها، على هذه تحمل، فإنك تقول، في إنسانٍ ما، إنه نَحويّ، فأنت إذاً تقول، نَحويّاً، عل الإنسان، وعلى الحي، وكذلك تجري الأمور، في سائر، ما أشبهه.
وقد يَعُمُّ (يشَمَل) كلَّ جوهرٍ، أنَّه ليس في موضوع.
فإن الجوهر الأول، ليس يقال على موضوع، ولا هو في موضوع.
والجواهر الثواني، قد يظهر بهذا الوجه، أنه ليس شيءٌ منها، في موضوع، فإنَّ الإنسان، يقال على موضوع، أي على إنسانٍ ما، وليس هو في موضوعٍ، أي فيه. وذلك أن، الإنسان، ليس هو في إنسانٍ ما، وكذلك أيضاً، الحيّ، يقال على موضوع، أي على إنسانٍ ما، وليس الحيُّ، في إنسانٍ ما.
وأيضاً، التي في موضوع، فليس مانعٌ يمنع، من أن يكون اسمُها، في حالٍ من الأحوال، يُحْمَل على موضوع. وأما قولها (تعبيرها)، فلا سبيل، إلى أن يُحملَ عليه. فأما الجواهر الثواني، فإنه يُحملَ على الموضوع، قولُها واسمُها، فإنك تحمل على إنسانٍ، ما قولَ الإنسان، وقولَ الحيَّ.
فيجب من ذلك، أن الجوهر، ليس هو، مما في موضوع.
إلاَّ أنّ هذا، ليس بخاصةٍ، للجوهر. لكن، الفصلَ (الفارقة؛ الصِّفة المميِّزة؛ فصل الكلام: أتى به مفصلا بدقائقه) أيضا، هو مما ليس في موضوع، فإن الماشي، وذا الِّرجْلين، يقالان على موضوع، أي على الإنسان، وليسا في موضوع، وذلك أن ذا الرِّجْلين، ليس هو في الإنسان، ولا الماشي. وقول الفصل، أيضا محمول، على الذي يقال عليه الفصل، مثال ذلك، أنّ المَشَّاء، إن كان يقال على الإنسان، فإن قول المَشَّاء، محمول على الإنسان، وذلك أن الإنسان، مَشَّاء.
ولا تُغْلِطْنا أجزاءُ الجواهر، فتوهِمنا، أنها موجودة في موضوعات، أي في كلِّياتِها (الكل)، حتى يضطرَّنا الأمر، إلى أن نقول، إنها ليست جواهر، لأنه لم يكن على هذا الطريق، قول ما يقال في موضوعٍ على أنه في شيء، كجزء منه.
وممَّا يوجد (مِيزَة)، للجواهر، وللفصول، أن جميع ما يقال منهما، إنما يقال على طريق، المتواطئة أسماؤها (التي الإسمُ، عامٌّ لها، وقول الجوهر، الذي بحسب الإسم، واحدٌ).
فإنَّ كلَّ حَمْلٍ (توكيد، إِسناد)، يكون منهما، فهو إما أن يُحمل على الأشخاص، وإما على الأنواع.
فإنه ليس من الجواهر الأول، حَمْلٌ أصلا، إذ كان ليس تقال، على موضوعٍ ما، البتة.
فأمَّا في الجواهر الثواني، فالنوع، يُحْمل على الشخص، والجنس، على النوع، وعلى الشخص.
وكذلك الفصول، تُحمل على الأنواع، وعلى الأشخاص.
والجواهر الأُوَل، تقبل قول، أنواعها وأجناسها، والنوع يقبل قولَ جنسه.
إذ كان كلُّ ما قيل على المحمول، فإنه يقال أيضا، على الموضوع.
وكذلك تقبل الأنواعُ، والأشخاصُ، قولَ (تعبير) فصولها أيضا.
وقد كانت المتواطئةُ أسماؤها، هي التي الاسمُ عامٌّ لها، والقول واحدٌ، بعينه أيضا.
فيجب أن يكون، جميع ما يقال، من الجواهر، ومن الفصول، فإنما يقال، على طريق، المتواطئة أسماؤها.
وقد يُظَنُّ بكل جوهر، أنه يَدُلُّ، على مقصودٍ إليه، بالإشارة.
فأما الجواهر الأُوَل، فبالحق الذي لا مِرْيةَ فيه، أنها تَدُلُّ على مقصودٍ إليه، بالإشارة، لأن ما يُستدلُّ عليه منها، شخصٌ، وواحد، بالعدد.
وأما الجواهر الثواني، فقد يُوهم، اشتباهُ، شكل اللقب منها، أنها تدلُّ، على مقصودٍ إليه بالإشارة، كقولك: الإنسانُ، الحيوانُ.
وليس ذلك حقّاً، بل الأَولى، أنَّها تدلُّ على أيِّ شيءٍ، لأن الموضوع، ليس بواحدٍ، كالجوهر الأوّل، لكن، الإنسان، يُقال على كثير، وكذلك الحيوان.
إلا أنَّها، ليست تدلُّ، على أي شيء على الإطلاق، بمنزلة ِالأبيض، فإنَّ الأبيض، ليس يدل على شيء، غير أي شيء.
فأما النوع والجنس، فإنهما يقرران، أيّ شيء في الجوهر، وذلك أنهما، إنما يدلان، على جوهر ثانٍ ما.
إلا أن الإقرار بالجنس، يكون، أكثر حصراً، من الإقرار بالنوع، فإن القائل: حيوان، قد جمع بقوله، أكثر مما يجمع، القائل، إنسان.
ومما للجواهر أيضا، أنه لا مُضادَّ، لها. فماذا يُضادّ، الجوهر الأوّل، كإنسانٍ ما؟ فإنه لا مضادَّ له، ولا للإنسان أيضاً، ولا للحيوان مضادٌّ.
إلا أن ذلك، ليس خاصا بالجوهر، لكنه في أشياء أيضا كثيرةٍ، غيرهِ.
مثال ذلك، في الكم، فإنه ليس لذي الذراعين، مضادٌّ، ولا للعَشَرة، ولا لشيءٍ، مما يجري هذا المجرى، إلاّ أن يقول قائلٌ: إنَّ القليل، ضدُّ الكثير، أو الكبير، ضدُّ الصغير، لكن، الكمَّ المنفصل، لا مُضادَّ له.
وقد يُظنُّ بالجوهر، أنه لا يقبل، الأكثر، والأقل. ولست أقول، إنه ليس جوهرٌ، بأكثر من جوهرٍ، في أنه جوهرٌ، فإن ذلك شيءٌ، قد قلنا به. لكني أقول، إن ما هو، في جوهرٍ، جوهرٌ، ليس يقال، أكثر، ولا أقل.
مثال ذلك، أن هذا الجوهر، إن كان إنساناً، فليس يكون إنساناً، أكثر، ولا أقل، ولا إذا قيس بنفسه، ولا إذا قيس بغيره، فإنه ليس أحد من الناس، إنساناً، بأكثر من إنسانٍ غيره، كما أن الأبيضَ، أبيضُ، بأكثر مما غيره أبيض، والخَيِّر، خيرٌ، بأكثر مما غيره خَيِّر، كما أن الشيء، إذا قيس بنفسه أيضا، قيل إنه أكثر، وأقل.
مثال ذلك، أن الجسم، إذا كان أبيض، فقد يقال إنه في هذا الوقت، أبيض، بأكثر مما كان قبل، وإذا كان حارَّاً، فقد يُقال، إنه حارٌّ، بأكثر مما كان، أو أقل.
فأما الجوهر، فليس يقال، أكثر ولا أقل، فإنه ليس يقال، في الإنسان، إنه في هذا الوقت، إنسانٌ، بأكثر مما كان فيما تقدم، ولا في غيره من سائر الجواهر.
فيكون الجوهر، لا يقبل، الأكثر، والأقل.
وقد يُظَنّ، أن أُوْلى الخواص، بالجوهر، أن الواحد منه بالعدد، هو بعينه، قابلُ للمتضادّات.
والدليل على ذلك، أنه لن يقدر أحدٌ، أن يأتي بشيء، مما ليس هو جوهرًا، الواحدُ منه بالعدد، هو بعينه، قابلٌ للمتضادّات.
مثال ذلك، أن اللون الواحد بالعدد، هو بعينه، لن يكون أبيض، وأسود، ولا الفعل الواحد بالعدد، هو بعينه يكون مذموما، أو محمودا.
وكذلك نحوُ (يجري) الأمر، في سائر الأشياء، مما ليس بجوهر.
فأما الجوهر، فإن الواحد منه بالعدد، هو بعينه، قابل للمتضادّات.
مثال ذلك: إنسانٌ ما، فإن هذا الواحد، هو بعينه، يكون أبيضَ حيناً، وأسودَ حينا، وحارا وباردا، وطالحا وصالحا.
ولن يوجد ما يجري هذا المجرى، في شيء، مما سوى الجوهر، أصلا، اللهم إلا أن يَرٌدَّ ذلك رادٌ، بأن يقول: إن القول (مقولة، بيان) والظنّ، مما يجري هذا المجرى.
لأن القول بعينه، مظنونٌ صدقا، وكذبا، مثال ذلك، أن القول، إن صَدَق في جلوس جالسٍ، فإنه بعينه، يكذب إذا قام.
وكذلك في الظن، فإن الظانَّ، إن صدق في جلوس جالسٍ، كَذَب إذا قام، متى كان ظنه به، ذلك الظنَّ بعينه (جلوس جالسٍ).
فتقول: إن الإنسان، وإن اعترف بذلك، فإن بين الجهتين، اختلافا.
وذلك أن الأشياء في الجواهر، إنما هي قابلة للمتضادّات، بأن تتغير أنفسها، لأن الشيء، إذا كان حارّا، فصار بارداً، فقد تغيَّر، وإذا كان أبيض، فصار أسود، وإذا كان مذموما، فصار محمودا. وكذلك في سائر الأشياء (في الجواهر)، كلُّ واحد منها، قابلٌ للمتضادّات، بأن يقبل بنفسه، التغيُّرَ.
فأمَّا القول، والظن، فإنهما ثابتان، غير زائلين، لا بنحوٍ من الأنحاء، ولا بوجهٍ من الوجوه، وإنما يحدث المضاد فيهما، بزوال الأمر، فإن القولَ، في جلوس جالسٍ، ثابتٌ بحاله، وإنما يصير صادقا حينا، وكاذبا حينا، بزوال الأمر. وكذلك القول، في الظن أيضا.
فتكون الجهة، التي تخص الجوهر، أنه قابلٌ للمتضادّات، بتغيُّره في نفسه.
إن اعترف الإنسان بذلك، أعني، أن الظنّ والقول، قابلان للمتضادّات، إلا أن ذلك، ليس بحق.
لأن القول والظنّ، ليس إنَّما يقال فيهما، إنهما قابلان للأضداد، من طريق، أنهما في أنفسهما، يقبلان شيئا، لكن من طريق، أن حادثا يحدث، في شيء غيرهما.
وذلك أن القول، إنما يقال فيه، إنه صادق، أو إنه كاذب، من طريق، أن الأمر موجود، أو غير موجود، لا من طريق، أنه نفسُه، قابلٌ للأضداد.
فإن القول، بالجملة، لا يقبل الزوال (التغير)، من شيء أصلا، ولا الظن.
فيجب ألا يكونا قابلين للأضداد، إذ كان ليس يحدث فيهما، ضدٌّ أصلا.
فأما الجوهر، فيقال فيه، إنه قابل للأضداد، من طريق، أنه نفسه، قابلٌ للأضداد. وذلك، أنه يقبل، المرض، والصحة، والبياض، والسواد. وإنما يقال فيه، إنه قابلٌ للأضداد، من طريق، أنه هو نفسه، يقبل كل واحدٍ من هذه، وما يجري مجراها.
فيجب من ذلك، أن تكون خاصة الجوهر، أن الواحد منه بالعدد، هو بعينه، قابل للمتضادات، بتغيره في نفسه.
فهذا، فليكن مبلغ ما نقوله، في الجوهر، وقد ينبغي الآن، أن نتبع ذلك، بالقول في الكم.
وأما الكمُّ، فمنه منفصل (غير مترابط)، ومنه متصل (متواصل، مستمر).
وأيضا، منه ما هو قائم، من أجزاءٍ فيه، لها وضعٌ، بعضُها عند بعض، ومنه، من أجزاءٍ، ليس لها وضع.
فالمنفصل مثلا، هوَ العدد، والقول.
والمُتَّصل: الخطُّ، والبسيط (السطح)، والجسم، وأيضا مما يُطيف بهذه، الزمانُ، والمكانُ.
فإن أجزاء العدد، لا يوجد لها، حدٌّ (مُنتَهَى؛ نهاية) مشترك أصلا، يلتئم عنده، بعضُ أجزائه ببعض.
مثال ذلك، أن الخمسة، إذ هي جزء من العشرة، فليس تتصل، بحدٍّ مشتركٍ، الخمسةُ منها، بالخمسة، لكنها منفصلة، والثلاثة والسبعة، أيضا، ليس يتصلان، بحد مشترك.
وبالجملة، لست تقدِر في الأعداد، على أخذ حَدٍّ مشترك، بين أجزائها، لكنها دائما منفصلة.
فيكون العدد، من المنفصلة.
وكذلك أيضا، القول، هو من المنفصلة.
فأما أن القولَ، كمٌّ، فظاهر، لأنه يُقَدَّر، بمقطع (مقطع لفظي) ممدود، أو مقصور، وإنما أعني ذلك، القول الذي يخرج بالصوت، فأجزاؤه، ليست تتصل بحدّ مشترك، وذلك أنه، لن يوجد حدٌّ مشترك، تتصل به المقاطع، لكنَّ، كلَّ مقطعٍ، منفصلٌ على حِياله.
فأما الخط، فمتَّصل، لأنه قد يتهيأ، أن يؤخذ حَدٌّ مشترك، تتصل به أجزاؤه، كالنقطة.
وفي البسيطِ، الخط، فإن أجزاء السطح، قد تتصل بحدٍّ ما، مشترك.
وكذلك أيضا، في الجسم، قد تَقْدِر، أن تأخذ حدَّاً مشتركا، وهو الخطُّ، أو البسيط، تتصل به، أجزاءُ الجسم.
ومما يجري هذا المجرى أيضا، الزمانُ، والمكان.
فإن العَرْض من الزمان (الآن، الزمان الحاضر)، يصل ما بين الماضي منه، وبين المُسْتَأْنف.
والمكان أيضا، من المتصلة، لأن أجزاء الجسم، تشغل مكانا، وهي تتصل، بحدٍّ ما مشترك، فتكون أجزاءُ المكان، أيضا التي يشغلها، واحدٌ واحدٌ من أجزاء الجسم، تتصل بالحدّ بعينه، الذي به تتصل، أجزاءُ الجسم.
فيجب أن يكون، المكان أيضًا متصلا، إذ كانت أجزاؤه، تتصل بحدٍّ واحد، مشترك.
وأيضا منه، ما هو قائم، من أجزاء فيه، لها وضعٌ، بعضُها عند بعض، ومنه، من أجزاء، ليس لها وضع.
مثال ذلك، أن أجزاء الخط، لها وضعٌ، بعضُها عند بعض، لأن كلَّ واحد منها، موضوعٌ، بحيث هو.
وقد يمكنك، أن تَدُلَّ، وتُرْشِدَ، أين كل واحد منها، موضوعٌ في السطح، وبأي جزء، من سائر الأجزاء، يتصل.
وكذاك أيضا، أجزاء السطح، لها وضعٌ ما، وذلك أنه، قد يمكن على هذا المثال، في كل واحد منها، أن تَدُلَّ عليه، أين هو موضوع، وأي الأجزاء، يصل ما بينها.
وكذلك أجزاء المُصْمَت (الذي لا جوف له، الجسم)، وأجزاء المكان.
وأما العدد، فلن يقدر أحد، أن يرى فيه، أن أجزاءه، لها وضعٌ ما، بعضُها عند بعض، ولا أنها موضوعةٌ بحيثٍ ما، ولا أن أجزاءًا ما، من أجزائه، يتصل بعضُها، ببعض.
ولا أجزاء الزمان، فإنه لا ثباتَ، لشيء من أجزاء الزمان، وما لم يكن ثابتا، فلا سبيل، إلى أن يكون له وضعٌ ما.
بل الأَوْلى، أن يقال، إن لها ترتيبا ما، لأن بعض الزمان متقدّم، وبعضَه متأخر، وكذلك العدد، لأن الواحد في العد، قبل الاثنين، والاثنين قبل الثلاثة، فيكون بذلك، ترتيبٌ ما.
فأما وضعاً، فتكاد، ألا تقدر أن تأخذ لها.
والقول أيضا كذلك، لأنه لا ثبات لشيء، من أجزائه، فإنه إذا نُطِق به، مضى، فلم يكن، إلى أخذه فيما بعد، سبيلٌ، فيجب، ألا يكون لأجزائه، وضعٌ، إذ كان لا ثبات، لشيء منها.
فمنه (الكمّ) إذن، ما يقوم من أجزاء، لها وضع، ومنه من أجزاء، ليس لها وضع.
فهذه فقط التي ذُكِرَتْ، يقال لها بالتحقيق (بالمعنى الدقيق للكلمة)، كمّ، وأما كل ما سواه، فبالعَرَض (بالمعنى الثانوي)، يقال ذلك فيها.
فإنَّا، إنَّما نقول، فيما سوى هذه، إنها كمّ، ونحن نقصد، قصد هذه.
مثال ذلك، أنَّا نقول، في البياض، إنه مادٌّ (بَسَطَ، طَالَ) كثير، وإنما نشير، إلى أن البسيط (السطح)، كثير، ونقول في العمل، إنه طويل، وإنما نشير، إلى أن زمانه طويل، ونقول أيضا، في الحركة، إنها كثيرة، فإن كل واحدٍ من هذه، ليس يقال له، كمّ، بذاته.
والمثال في ذلك، أن مُوَفِّيا، إن وَفَّى، كمّ هذا العمل، فإنما يحدّه، بالزمان، فيقول: عملُ سنةٍ، أو ما أشبه ذلك. وإن وَفَّى، كمّ هذا الأبيض، فإنما يحدّه بالبسيط، فإنه إنما يقول، في مبلغ البياض، بمبلغ البسيط، فتكون هذه فقط التي ذُكِرَتْ، يقال لها بالتحقيق، وبذاتها كمّ.
فأما ما سواها، فليس منها شيء، هو بذاته كمّ، بل إن كان ولا بدّ، فبالعَرَض.
والكمّ، أيضا، لا مُضادَّ له، أصلا.
فأما في المنفصلة والمتصلة، فظاهرٌ، أنه ليس له مضاد أصلا، كأنك قلت، لذي الذراعين، أو لذي الثلاث الأذرع، أو للسطح، أو لشيء، مما أشبه ذلك، فإنه ليس لها، ضدٌّ أصلا.
إلاّ أن يقول قائلٌ، إن الكثير، مضادٌّ للقليل، أو الكبير للصغير، وليس شيء من هذه، البتةَ، كَمًّا، لكنها من المضاف (نسبة).
وذلك، أنه ليس يقال، في شيء من الأشياء، البتة، بنفسه إنه كبيرٌ، أو صغير، بل بقياسه، إلى غيره.
مثال ذلك، أن الجبل قد يُوصف صغيرا، أو السُمْسُمَة (حبّة السمسم)، كبيرةً، بأن هذه، أكبر مما هو من جنسها، وذلك، أصغر مما هو من جنسه، فيكون القياس، إنما هو إلى شيءٍ غيره.
فإنه، لو وُصِف شيءٌ، صغيرا أو كبيرا، بنفسه، لما وُصِف، في حالٍ من الأحوال، الجبل صغيرًا، أو السمسمة، كبيرة.
وأيضا، قد نقول، إن في القرية، أُناسا كثيرًا، وفي مدينة أثينية، أناسًا قليلا، على أنهم، أضعاف هؤلئك، ونقول، إن في البيت، أناسا كثيرا، وفي الملعب، أناسا قليلا، على أنهم، أكثر منهم كثيرا.
وأيضا، ذو الذراعين، وذو الثلاث الأذرع، وكلُّ واحدٍ، مما أشبههما، يدلُّ على كمّ.
فأما الكبير، والصغير، فليس يدلاَّن، على كمّ، بل على مُضافٍ.
فإنَّ الكبير، والصغير، إنما يعقلان، بالقياس إلى شيء آخر، فيكون من البَيِّن، أن هذين من المضاف.
وأيضا، إن وضعت (الكبير، والصغير، والشيء من هذه) أنهما كمّ، أو، وُضعت أنهما ليس بكَمّ، فليس لهما، مضادٌّ البتةَ.
وذلك أن، الشيء الذي لا يمكن أخذه بنفسه، وإنما يمكن أخذه، بقياسه إلى غيره، كيف يمكن، أن يكون لهذا، مضاد؟
وأيضا، إن يكن الكبير، والصغير، متضادين، وُجِد الشيءُ، بعينه، قابلاً للمتضادات معا، وأن كل واحد منهما، أيضا، مضادٌّ لذاته، لأن الشيء، بعينه، قد يوجد كبيرا، وصغيرا، حتى معا، إذ كان عند هذا صغيرا، وهو بعينه، عند غيره كبير.
فيكون، قد يوجد الشيء، بعينه، كبيرا وصغيرا، في زمانٍ بعينه، وإذن يكون، قد يقبل الضدَّين معا.
إلاّ أنَّه، من المتفق عليه، أنه ليس يمكن أن يقبل شيءٌ واحدٌ، الضدَّين معا.
مثال ذلك في الجوهر، فإن الجوهر، من المتفق عليه، أنه قابل المتضادات، إلا أنه، لن يَصِحَّ، ويَسْقُمَ، معاً، ولا يكون، أبيضَ وأسودَ معاً، ولا شيء من سائر الأشياء البتة، يقبل الضدَّين معا.
ويوجد أيضا، حينئذ، كلُّ واحدٍ منهما، مضادّا، لذاته. وذلك أنه، إن كان الكبير، مضادّا للصغير، وكان الشيء الواحد، بعينه، كبيرا وصغيرا، معا، فالشيء، يكون مضادّا، لذاته، إلاّ أنَّه من المحال، أن يكون الشيء، مضادا لذاته.
فليس الكبير، إذًا، مضادًا للصغير، ولا الكثير، للقليل.
فتكون هذه، وإن قال الإنسان، إنها ليست من المضاف، بل من الكمّ، ليس فيها مضادٌّ.
وأكثرُ ما ظُنَّتِ، المضادَّةُ في الكَمّ، موجودةً في المكان، لأن المكان الأعلى، يضعون، أنه مضادٌّ، للمكان الأسفل، ويعبرون (يعنون) بالمكان الأسفل، المكانَ، الذي يَلْقَى الوَسَطَ.
وإنما ذهبوا إلى ذلك، لأن البُعْد، بين الوسط، وبين أطراف العالم، أبعدُ البعد.
ويشبه، أن يكونوا، إنما اجتلبوا الحَدَّ، لسائر المتضادّات، من هذه، لأنهم، إنما يَحُدُّون المتضادّات، بأنها التي بُعْدها، بعضِها من بعض، غايةُ البُعْدِ، ويجمعها جنسٌ واحد.
وليس بمظنون بالكمّ، أنه قابلُ، الأكثر والأقل، مثال ذلك: ذو الذراعين، فإنه ليس هذا، ذا ذراعين، بأكثر من هذا. وكذلك في العدد، مثال ذلك: الثلاثة والخمسة، فإنه ليس يقال، إن هذه خمسة، بأكثر مما هذه ثلاثة، أو إن هذه ثلاثة، بأكثر مما هذه ثلاثة. ولا يقال أيضا، في زمانٍ، إنه زمان بأكثر من غيره، ولا يقال، بالجملة في شيء، مما ذكر، الأكثر ولا الأقل، فيكون إذًا، الكمُّ، غيرَ قابلٍ، الأكثر، والأقلَّ.
وأخصُّ خواص الكمّ، أنه يُقال، مساوياً، وغير مساوٍ.
ومثال ذلك، الجثة (الجِسم)، تقال مساوية، وغير مساوية. وكل واحدٍ، من سائر ما ذكر، على هذا المثال، يقال، مساوٍ، وغير مساوٍ.
وأمَّا، سائر ما لم يكن، كَمًّا، فليس يكاد يُظَنَّ به، أنه يقال، مساويا، وغير مساو، مثال ذلك: الحالُّ، ليس يكاد أن تقال، مساوية، ولا غير مساوية، بل الأحرى أن تُقَال، شبيهة، والأبيض، ليس يكاد أن يقال، مساويا، وغير مساوٍ، بل شَبيه.
فيكون، أخصُّ خواص الكمّ، أنه يُقال، مساوياً، وغيرَ مساو.
يُقال في الأشياء، إنها من المضاف، متى كانت ماهياتُها، إنما تُقال، بالقياس إلى غيرها، أو على نحوٍ آخر، من أنحاء النسبة إلى غيرها، أيَّ نحوٍ كان.
مثال ذلك، أن الأكبر، ماهيَّته إنما تُقال بالقياس، إلى غيره، وذلك أنه، إنما يقال، أكبر من شيء، والضِّعفُ، ماهيتُه بالقياس، إلى غيره، وذلك أنه، إنما يقال، ضعفاً لشيء، وكذلك كلُّ ما يجري، هذا المجرى.
ومن المضاف أيضا، هذه الأشياء مثال ذلك، الملكة (صفة راسخة، في النفس)، والحال (الوضع)، والحس، والعلم، والوضع.
فإنَّ جميع ما ذكر من ذلك، فماهيته، إنَّما تُقال بالقياس، إلى غيره، لا غير.
وذلك أنَّ، الملكة، إنما تُقال، ملكةً لشيءٍ، والعلم، علم بشيءٍ، والحسُّ، حِسٌّ بشيء، وسائرُ ما ذكرنا، يجري هذا المجرى.
فالأشياء إذن، التي من المضاف، هي كل ما كانت ماهياتها، إنما تُقال، بالقياس إلى غيرها، أو على نحوٍ آخر، من أنحاء النسبة إلى غيرها، أيَّ نحوٍ كان، لا غير.
مثال ذلك: الجبل، يُقال كبيراً، بالقياس إلى غيره، فإنّه إنَّما يُقال، جبل كبير، بالإضافة (نسبة) إلى شيء، والشبيه، إنما يقال، شبيها بشيء، وسائر ما يجري هذا المجرى، على هذا المثال، يقال بالإضافة.
والاضطجاع، والقيام، والجلوس، هي من الوضع، والوضع، من المضاف. فأمَّا، يضطجع، أو يقوم، أو يجلس، فليست من الوضع، بل من الأشياء المشتقّ لها الاسم، من الوضع الذي ذُكِر.
وقد توجد أيضا، المضادّةُ، في المضاف، مثال ذلك: الفضيلة، والخسيسة (رذيلة)، كل واحدٍ، مضادٌّ لصاحبه، وهو من المضاف، والعلم والجهل.
إلا أن المضادّة، ليست موجودة، في كل المضاف، فإنه ليس للضِّعْفين، ضدّ، ولا للثلاثة الأضعاف، ولا لشيء، ممَّا كان، مثله.
وقد يُظَن، بالمضاف، أنه أيضا يقبل، الأكثر، والأقل، لأنَّ الشبيه، يقال أكثر شبهاً، وأقل شبها، وغير المساوي، يقال، أكثر، وأقل. وكل واحدٍ منهما، من المضاف، فإنَّ الشبيه، إنما يقال، شبيها، بشيء، وغير المساوي، غير مساوٍ، لشيء.
ولكن ليس كلُّه (المضاف)، يقبل، الأكثر والأقل، فإن الضِّعْفَ، ليس يقال ضعفا، أكثر، ولا أقل، ولا شيئا، مما كان مثله.
والمضافات، كلها ترجع، بالتكافؤ (التساوي، تبادل)، بعضُها على بعض، في القول، مثال ذلك: العبد، يقال عبدٌ، للمولى، والمولى، يقال، مولى للعبد، والضِّعْف، ضِعف للنصف، والنصف، نصف للضِّعف، والأكبر، أكبر من الأصغر، والأصغر، أصغر من الأكبر، وكذلك أيضا، في سائرها.
ما خلا أنهما (المضافين أحدهما إلى الآخر)، في مخرج اللفظ، ربما اختلف تصريفهما، مثال ذلك: العلم، يقال علم بمعلوم، والمعلوم، معلومٌ للعلم، والحسُّ، حِسّ بمحسوس، والمحسوس، محسوس للحس.
ولكن، ربما ظُنّاً، غيرَ متكافئين، متى لم يُضَفْ (الأول إلى الثاني) إلى الشيء، الذي إليه يضاف، إضافةً معادِلةً، بل فَرّطَ المضيفُ.
مثال ذلك: الجناح، إن أضيف إلى ذي الريش، لم يرجع بالتكافؤ، ذو الريش، على الجناح، لأن الأوّل، لم تكن إضافته، مُعادِلةً، أعني الجناح، إلى ذي الريش.
وذلك أنه، ليس من طريق، أن ذا الريش، ذو ريش، أضيف إليه (تساوى)، في القولِ، الجناحُ، لكن من طريق، أنه ذو جناح، إذ كان كثيرٌ غيرُه، من ذوي الأجنحة، لا ريش له.
فإن جَعَلْتَ الإضافةَ معادِلةً، رجع أيضا، بالتكافؤ، مثال ذلك، الجناحُ، جناح، لذي الجناح، وذو الجناح، بالجناح، هو ذو جناح.
وخليق، أن يكون، ربَّما، نُضْطَرُّ الى اختراع الاسم، متى لم نجد، اسما موضوعا، إليه تقع الإضافةُ، معادِلةً.
مثال ذلك: أن السُّكَّان (دفة؛ مَا تسكن بِهِ السَّفِينَة وتمنع من الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب وتعدل بِهِ فِي سَيرهَا)، إن أضيف إلى الزورق، لم تكن إضافتُه، مُعادِلة، لأنه ليس من طريق (بمثابة)، أن الزورق زورق، أضيف إليه في القول، السُّكَّان.
إذ كان قد يوجد، زواريق، لا سُكَّان لها، ولذلك، لا يرجع بالتكافؤ، لأنه ليس يقال، إن الزورق، زورق، بالسكان.
لكن، خليق أن تكون الإضافة أعدلَ، إذا قيلت، على هذا النحو: السُّكان، سُكَّان، لذي السكان، أو على نحو ذلك، إذ ليس يوجد، اسمٌ موضوعٌ، فيرجع حينئذ، متكافئا، إذا كانت الإضافة، معادلة، فإن ذا السكان، إنما هو ذو سكان، بالسكان.
وكذلك أيضا، في سائرها، مثال ذلك، أن الرأس، تكون إضافته، إلى ذي الرأس، أعدلَ من إضافته، إلى الحي.
فإنه ليس الحيّ، من طريق ما هو حيٌّ، له رأس، إذ كان كثير من الحيوان، لا رأس له.
وهكذا، أسْهَلُ ما لعله يتهيأ لك به، أخذُ (استخراج، اختراع) الأسماء، فيما لم يكن لها، أسماء موضوعة، أن تضع (تشتق) الأسماء، من الأوّل، للتي عليها ترجع بالتكافؤ، على مثال ما فُعِل، في التي ذَكَرْتُ آنفا، من الجناح، ذو الجناح، ومن السكان، ذو السكان.
فكل الإضافات (النسب)، إذا أضيفت، على المعادَلة، قيل، إنها يرجع بعضها على بعض، بالتكافؤ (تبادل).
فإن الإضافة (النسبة)، إن وقعت جزءا، ولم تقع، إلى الشيء، الذي إليه تقال النسبة، لم ترجع بالتكافؤ.
أعني، أنه لا يرجع بالتكافؤ، شيء البتة، من المتفق فيها، أنها مما يقال، إنه يرجع بالتكافؤ، ولها أسماء موضوعة، فضلا عن غيرها، متى وقعت الإضافة، إلى شيء من اللوازم (الأعراض)، لا إلى الشيء، الذي إليه تقع، النسبةُ في القول.
مثال ذلك، أن العبد، إن لم يُضَفْ إلى المولى، لكن إلى الإنسان، أو إلى ذي الرجلين، أو إلى شيء، مما يشبه ذلك، لم يرجع بالتكافؤ، لأن الإضافة، لم تكن معادلة.
وأيضا، متى أضيف، شيء، إلى الشيء الذي إليه يُنْسَب، بالقول، إضافةً مُعادِلةً، فإنه، إن ارتفع (زال) سائرُ الأشياء، كلُّها، العارضةُ (غير الثابت) لذلك، بعد أن يبقى ذلك الشيءُ، وحدَه، الذي إليه الإضافةُ، فإنه ينسب إليه بالقول، أبدا، نسبةً معادِلة.
مثال ذلك، العبد، إنما يقال، بالإضافة إلى المولى، فإن ارتفعت، سائر الأشياء، اللاحقة للمولى، مثال ذلك، أنه ذو رجلين، أنه قَبول للعلم، أنه إنسان، وبقي أنه مولى فقط، وقيل أبدا العبد، بالإضافة إليه، فإنه يقال، إن العبد، عبد المولى.
ومتى أضيف، شيء إلى الشيء، الذي يُنسب إليه، بالقول، على غير معادَلة، ثم ارتفع سائر الأشياء، وبقي ذلك الشيء، وحده، الذي إليه وقعت الإضافة، لم يُنسب إليه، بالقول.
فلينزل، أن العبد، أضيف إلى الإنسان، والجناح، إلى ذي الريش، وليرفع من الإنسان، أنه مولى، فإنه ليس يقال، حينئذ، العبد بالقياس إلى الإنسان، وذلك أنه، إذا لم يكن المولى، لم يكن، ولا العبد.
وكذلك، فليرفع أيضا، عن ذي الريش، أنه ذو جناح، فإنه لا يكون، حينئذ، الجناح من المضاف، وذلك أنه، إذا لم يكن ذو الجناح، لم يكن الجناح، لشيء.
فقد يجب، أن تكون الإضافة، إلى الشيء، الذي إليه يقال، مُعادِلةً. وإن كان يوجد، اسم موضوعا، فإن الإضافة، تكون سهلة، وإن لم يوجد، فخليق، أن يكون يُضْطَرُّ، إلى اختراع اسم. وإذا وقعت الإضافة، على هذا النحو، فمن البَيِّن، أن المضافات كلها، يرجع بعضها على بعض، في القول، بالتكافؤ.
وقد يُظَنُّ، أن كلُّ مضافين، فَهُما معا، في الطبع (الوجود)، وذلك حقٌّ في أكثرها، فإن الضِّعْف، موجودٌ والنصف معا، وإن كان النصف موجودا، فالضِّعف موجود، وإن كان العبد موجودا، فالمولى موجود، وكذلك تجري الأمور، في سائرها.
وقد يفقد كلُّ واحد منهما، الآخر، مع فقده، وذلك أنه، إذا لم يوجد الضِّعْف، لم يوجد النِّصْفُ، وإذا لم يوجد النصف، لم يوجد الضعف.
وعلى هذا المثال، يجري الأمرُ، فيما أشبهها.
وقد يُظَنُّ، أنه ليس يصحُّ، في كل مضافين، أنهما معا، في الطبع (الوجود)، وذلك أن، المعلوم (المَعْرُوف)، مظنون بأنه أقدم من العلم (المعرفة)، لأن أكثر تناولنا العلم بالأشياء، من بعد وجودها، وأقل ذاك، أو لا شيء البتة، يوجد من العلم والمعلوم، جاريين معا.
وأيضا، المعلوم، إن فُقِدَ، فُقِدَ معه، العلمُ به، فأما العلم، فليس يُفْقَد معه، المعلوم، وذلك أن، المعلوم، إن لم يوجد، لم يوجد العلم، لأنه لا يكون حينئذ، علمٌ بشيء البتة.
فأما إن لم يوجد العلم، فلا شيء مانعٌ، من أن يكون المعلوم، مثال ذلك، تربيع الدائرة، أن يكون معلوما، فعلمه، لم يوجد بعد، فأما هذا المعلوم، نفسه، فآنيته (وجوده)، قائمة، وأيضا الحيُّ، إذا فُقد، لم يوجد العلم، وأما المعلوم، فقد يمكن، أن يكون، كثيرٌ منه، موجودا.
وكذلك يجري الأمر، في باب الحسّ، أيضا.
وذلك أنه، قد يُظن، أن المحسوس (الذي يدرك بالحس)، أقدمُ، من الحسّ (إدراك حسّي)، لأن المحسوس، إذا فُقِدَ، فُقِدَ معه، الحسُّ به، فأما الحسُّ، فليس يُفْقَد معه، المحسوس.
وذلك أن الحواس (إدراك حسّي)، إنما وجودها، بالجسم، و (يرتبط) في الجسم. وإذا فُقِد المحسوس (الشيء الذي يدرك بالحس)، فُقِد الجسم أيضا، إذا كان الجسمُ، شيئاً من المحسوسات. وإذا لم يوجد الجسم، فُقِد الحس أيضا، فيكون المحسوس، يُفْقَد معه الحسُّ.
فأما الحسُّ، فليس يُفقد معه، المحسوس، فإن الحي، إذا فُقِد، فُقِدَ الحسُّ، وكان المحسوس، موجودا، مثل الجسم، والحارّ، والحلو، والمرّ، وسائر المحسوسات، الأُخَر، كلها.
وأيضا، فإن الحسَّ، إنما يكون، مع الحاسِّ (الذي يدرك بالحس)، وذلك أن معاً، يكون الحيُّ (الذي يدرك بالحس) والحِسُّ (إدراك حسّي)، وأما المحسوس (الذي يدرك بالحس)، فموجود، من قَبْلِ وجود الحيِّ والحِسُّ، فإن النار والماء، وما يجري مجراهما، مما منه قوام الحيّ، موجودة، من قبل أن يوجد الحيّ، أو الحِسّ، بالجملة.
فلذلك قد يُظَن، أن المحسوس، أقدّم وجودا، من الحِسّ.
ومما فيه موضع شكّ، هل الجواهر، ليس جوهر منها، يقال من باب المضاف، على حسب ما يُظَنّ، أو ذلك يمكن، في جواهرٍ ما، من الجواهر الثواني؟
فأما في الجواهر الأُوَل، فإن ذلك حق (صواب)، وذلك أنه ليس يقال من المضاف، لا كُليَّاتها، ولا أجزاؤها.
فإنه ليس يقال، في إنسان ما، إنه إنسان ما، لشيء، ولا في ثور ما، إنه ثور ما، لشيء.
وكذلك أجزاؤها أيضا، فإنه ليس يقال، في يدٍ ما، إنها يدٌ ما، لإنسان، لكن أنها، يدٌ لإنسان، ولا يقال، في رأس ما، إنه رأس ما، لشيء، بل رأسٌ، لشيء.
وكذلك في الجواهر الثانية، في أكثرها، فإنه ليس يقال، إن الإنسان، إنسانٌ لشيء، ولا إن الثور، ثور لشيء، ولا إن الخشبة، خشبة لشيء، بل يقال، إنها مِلْكٌ (حيازة، تملك)، لشيء. فأما في هذه، فإن الأمر ظاهر، أنها ليست، من المضاف (نسبة).
وأما في بعض الجواهر الثواني، فقد يدخل، في أمرها الشكُّ، مثال ذلك، أن الرأس، يقال، إنه رأسٌ لشيء، واليد، يقال، إنها يدٌ لشيء، وكل واحد، مما أشبه ذلك، فيكون، قد يُظَنُّ، أن هذه من المضاف.
فإن كان، تحديد، التي من المضاف، قد وَفَّى على الكفاية (كامل)، فحلُّ الشكّ الواقعَ، في أنه، ليس جوهر من الجواهر، يقال، من المضاف، إما مما يصعب جدا، وإما، مما لا يمكن.
وإن لم يكن على الكفاية، لكن كانت الأشياء، التي من المضاف، الوجود لها، هو أنها مضافة، على نحو من الأنحاء، فلعله يتهيأ، أن يقال شيء، في فسخ ذلك.
فأما التحديد المتقدّم، فإنه يلحق (ينطبق)، كلُّ ما كان من المضاف، إلا أنه، ليس معنى القول، أن الوجود لها، هو أنها مضافة، هو معنى القول إن ماهياتها، تقال بالقياس، إلى غيرها.
وَبيِّنُ من ذلك، أن من عرف، أحد المضافين (نسبة)، مُحَصَّلاً، عرف أيضا، ذلك الذي إليه يضاف، مُحَصَّلاً.
وذلك ظاهر من هذا، فإن الإنسان متى علم أن هذا الشيء من المضاف، وكان الوجود، للمضاف، أنه مضاف، على نحو من الأنحاء، فقد عَلم أيضا، ذلك الشيء، الذي هذا عنده، بحال من الأحوال.
فإنه، إن لم يعلم أصلا، ذلك الشيء، الذي هذا عنده، بحال من الأحوال، لم يعلم، ولا أنه عند شيء، بحال من الأحوال.
وذلك بَيّنٌ أيضا، في الجزئيات، مثال ذلك: الضِّعْف. فإنَّ، من علم الضِّعْف، على التحصيل، فإنه على المكان، يعلم أيضا ذلك الشيء، الذي هو ضعفه، محصَّلاً. فإنه، إن لم يعلمه، ضِعْفا لشيءٍ، واحدٍ محصَّلٍ، فليس يعلمه، ضِعْفا أصلاً.
وكذلك أيضا، إن كان يعلم، أن هذا المشار إليه، أحسن، فقد يجب ذلك، ضرورة أن يكون يعلم، أيضا ذلك الشيء، الذي هذا، أحسن منه مُحَصَّلا.
فإنه ليس يجوز، أن يكون، إنما يعلم، أن هذا أحسن، مما دونه في الحُسْن، فإن ذلك، إنما يكون توهما، لا علما، وذلك أنه ليس يعلم يقينا، أنه أحسن، مما هو دونه، فإنه ربما اتفق، ألا يكون شيء، دونه.
فيكون ظاهرا، أنه واجب ضرورة، متى عَلِم الإنسانُ، أحد المضافين، مُحَصَّلا، أن يكون يعلم أيضا، ذلك الآخر، الذي إليه أضُيف، محصلا.
فأما الرأس، واليد، وكلُّ واحد، مما يجري مجراهما، مما هي جواهر، فإن ماهيَّاتها، أنفسَها، قد تُعْرَف، مُحَصَّلةً.
فأما ما يضاف إليه، فليس واجبا، أن يعرف، وذلك أنه، لا سبيل، إلى أن يعلم على التحصيل، رأس من هذا، ويد من، هذه.
فيجب من ذلك، أن هذه، ليست من المضاف.
وإن لم تكن هذه من المضاف، فقد يصح القول، أنه ليس جوهرٌ من الجواهر، من المضاف.
إلا أنه خليق، أن يكون، قد يصعب التقحّم (تقحم الامر: اقتحمه، دخل فيه)، على إثبات الحكم، على أمثال هذه الأمور، ما لم تُتَدَبَّر، مرارا كثيرة. فأما الشك فيها، فليس مما لا دَرْك، فيه.
وأُسَمِّي، بالكيفية (سِمَة)، تلك التي بها يقال، في الأشخاص، كيف هي.
والكيفية مما يقال، على أنحاء شتى.
فليُسَمَّ، نوعٌ واحدٌ، من الكيفية، ملكةً (صفة راسخة، في النفس)، وحالا (وضع).
وتخالف، الملكةُ الحالَ، في أنها أبقى، وأطول زمانا، ومما يجري هذا المجرى، العلومُ، والفضائل.
فإن العلم، مظنون به، أنه من الأشياء الباقية، التي تعسُرُ حركتها (زحزحتها)، إلا أن يحدث على الإنسان، تغير فادح، من مرض أو غيره، مما أشبهه.
وكذلك أيضا، الفضيلة، مثل العدل، والعفة، وكل واحدٍ، مما أشبه ذلك، قد يُظَنُّ، أنها ليست بسهلة الحركة، ولا سهلة التغيُّر.
وأما الحالات، فتسمى بها، الأشياء، السهلة الحركة، السريعة التغيُّر، مثل الحرارة والبرودة، والمرض والصحة، وسائر ما أشبه ذلك.
فإن الإنسان، قد قَبِل بهذه حالا، على ضرب من الضروب، إلاَّ أنه، قد يتغير بسرعة، فيصير باردا، بعد أن كان حارّا، ويُنْقَل، من الصحة إلى المرض، وكذلك الأمر، في سائرها.
إلاَّ، أن يكون الإنسان، قد صارت هذه الأشياء، أيضا له، لطول المدّة، حالا طبيعية، لا شفاء لها، أو عسرت حركتها جدا. فلعله، أن يكون الإنسان، أن يسمي هذه، حينئذ، ملكة.
ومن البَيِّن، أنه إنما، يُقتضى اسم الملكة، الأشياءَ، التي هي أطول زمانا، وأعسر حركة.
فإنهم لا يقولون، فيمن كان، غير متمسك بالعلوم، تمسُّكا يُعتَدُّ به، لكنه سريع التنقل، أن له ملكة، على أنَّ، لمن كان بهذه الصفة، حالا ما في العلم، إما أخسُّ (أَردَأ)، وإما أفضل.
فيكون الفرق، بين الملكة، وبين الحال، أن هذه، سهلة الحركة، وتلك أطول زمانا، وأعسر تحرُّكاً.
والملكات، هي أيضا حالات، وليس الحالاتُ، ضرورةً، الملكات، وكأن من كانت له ملكة، فهو بها، بحال ما أيضا، من الأحوال، وأما من كان، بحال من الأحوال، فليست له، لا محالة، ملكة.
وجنسٌ آخر، من الكيفية، هو الذي به نقول: مُلاكِزيِّين (مصارعين)، أو محاضريين (عدائين)، أو مِصْحاحين (أصحاء)، أو ممراضين (مرضى)، وبالجملة (أخذ الشيء من غير تفصيل)، ما قيل بقوة طبيعية (بالفطرة)، أو لا قوة.
وذلك أنه، ليس يقال، كل واحد من أشباه هذه، لأن له حالا ما، لكن من قِبَلِ، أن له قوة طبيعية، أو لا قوة، في أن يفعل شيئا ما، بسهولة، أو لا ينفعل (يتأثَّرَ) شيئا.
مثال ذلك، أنه يقال، مُلاكزيون، أو محاضريون، ليس من قِبَلِ، أن لهم حالا ما، لكن من قبل، أن لهم قوّة طبيعية، على أن يفعلوا شيئا، بسهولة.
ويقال مصحاحون، من قِبَل، أن لهم قوة طبيعية، على ألا ينفعلوا شيئا، بسهولة، من الآفات العارضة، ويقال ممراضون، من قِبَل، أنه لا قوة لهم، طبيعية، على ألا ينفعلوا، شيئا، بسهولة.
وكذاك أيضا الأمر، في الصُّلْب، وفي اللِّين، فإنه يقال، صُلْب، من قِبَل، أن له قوة، على ألا ينقطع، بسهولة، ويقال لين، من قبل، أنه لا قوة له، على هذا المعنى، نفسه.
وجنس ثالث، من الكيفية، كيفيات (سِمَات) انفعالية، وانفعالات.
ومثالات ذلك، هذه الحلاوة، والمرارة، وكل ما كان مُجانسا، لهذين، وأيضا، الحرارة والبرودة، والبياض والسواد.
وظاهر، أن هذه كيفيات، لأن ما قَبِلها، قيل فيه بها، كيف هو.
مثال ذلك، العسل، يقال: حلو، لأنه قَبِل، الحلاوة، والجسم، يقال أبيض، لأنه قبل، البياض، وكذلك يجري الأمر، في سائرها.
ويقال، كيفيات انفعالية، ليس من قِبَل، أن تلك الأشياء، أنفسها، التي قَبِلَتْ هذه الكيفيات، انفعلت (تأثرت)، شيئا.
فإن العسل، ليس يقال، حلوا، من قِبلَ، أنه انفعل شيئا، ولا واحد، من سائر ما أشبهه. وعلى مثال هذه أيضا، الحرارة، والبرودة، تقالان، كيفيتين انفعاليتين، ليس من قِبَل، أن تلك الأشياء، أنفسها، التي قبلتها، انفعلتْ شيئا.
بل إنما يقال، لكل واحد، من هذه الكيفيات، التي ذكرناها، كيفيات انفعالية، من قِبَل، أنها تحدث، في الحواس، انفعالا.
فإن الحلاوة، تحدث انفعالاً ما، في المذاق، والحرارة، في اللمس، وعلى هذا المثال، سائرُها، أيضا.
فأما البياض، والسواد، وسائر الألوان، فليس، إنما تقال كيفيات انفعالية، بهذه الجهة، التي بها قيلت، هذه التي تقدم ذكرها، لكن من قِبَل، أنها أنفسها، إنما تولدت عن انفعال.
ومن البَيِّن، أنه قد يحدث، عن الانفعال، تغايير، كثيرةٌ في الألوان.
من ذلك، أن المرء، إذا خجل، احمرَّ، وإذا فَزِع، اصفرَّ، وكل واحد، مما أشبه ذلك. فيجب من ذلك، إن كان أيضا إنسان، قد ناله بالطَبْع، بعضُ هذه الانفعالات، من عوارض ما، طبيعية، فلازم، أن يكون لونهُ، مثل ذاك اللون.
وذلك، أنه إن حدثت، الآن عند الخجل، حالٌ ما، لشيءٍ ممَّا للبدن (للون البدن)، فقد يمكن أيضا، أن تحدث تلك الحالُ، بعينها، في الجِبِلَّة الطبيعية، فيكون اللون أيضا، بالطبع، مثله.
فما كان من هذه العوارض، كان ابتداؤه، عن انفعالاتٍ ما، عسرةٍ، حركتُها ذات ثبات، فإنه يقال لها، كيفيات (سِمَات).
فإن الصفرة، أو السواد، إن كان تكوّنه، في الجِبِلَّة الطبيعية، فإنه يُدْعَى كيفية، إن كنا قد يقال فينا به، كيف نحن.
وإن كان، إنما عرضت، الصفرة أو السواد، من مَرَضٍ مُزْمِن، أو من إحراق شمس، فلم تسهل عودته إلى الصلاح، أو بقي ببقائنا، قيلت هذه أيضا، كيفيات.
وذلك، أنه قد يقال فينا بها، على ذلك المثال، كيف نحن.
فأما ما كان حدوثه، عما يَسْهُلُ انحلالُه، ووشيك عودته إلى الصلاح، قيل، انفعالات (عارض)، وذلك، أنه لا يقال به، في أحد، كيف هو.
فإنه ليس يقال، عن أحمر لخجلٍ، أحمريّ، ولا من اصفرَّ، للفزع، مُصْفَرٌّ، لكن، أنه انفعل شيئا (عرض له عارض). فيجب أن تقال، هذه وما أشبهها، انفعالات، ولا تقال، كيفيات.
وعلى هذا المثال، يقال في النفس أيضا، كيفياتٌ انفعالية، وانفعالات.
فإنَّ، كان تولّده فيها (النفس)، منذ أوّل التكوّين، عن انفعالاتٍ ما، فإنها أيضا تقال، كيفيات، ومثال ذلك، تِيْه العقل، والغضب، وما يجري مجراها، فإنهم، به يقال فيهم، بها، كيف هم، فيقال، غَضُوب، وتائه العقل.
وكذلك أيضا، سائر أصناف تيه العقل، إذا لم تكن طبيعيةً، لكن، كان تولدها، عن عوارض ما أُخر، يَعْسُرُ التخلصُ منها، أوهي، غير زائلة أصلا، يقال كيفيات، وذلك، أنه يقال فيهم بها، كيف هم.
وما كان حدوثه فيها، عن أشياء سهلة، وشيكة العودة، إلى الصلاح، فإنها تقال، انفعالات، مثال ذلك، الإنسان، إن اغتمَّ فأسرع غضبه، فإنَّه ليس يقال، غضوبا، مَنْ أسرع غضبه بمثل هذا الانفعال (الاغتمام)، بل أَحْرَى، أن يقال، إنه انفعل شيئا، فتكون هذه، إنما تقال، انفعالات، لا كيفيات.
وجنس رابع من الكيفية، الشكل والخلقة (هيئة)، الموجودة في واحدٍ (شيء)، واحد، ومع هذين أيضا، الاستقامة، والانحناء، وأي شيء آخر، إن كان يشبه هذه. وبكل واحد من هذه، يقال، كيف الشيء.
فإنه قد يقال، في الشيء، بأنه مثلث، أو مربع، كيف هو، وبأنه مستقيم، أو منحنٍ، ويقال أيضا، كل واحد، بالخلقة، كيف هو.
فأما المتخلخل والمتكاثف، والخشن والأملس، فقد يُظَنَّ، أنها تدل، على كيف ما، إلا أنه قد يشبه، أن تكون هذه، وما أشبهها، مباينة للقسمة (باب؛ ضَرب)، التي في الكيف.
وذلك، أنه قد يظهر، أن كل واحد منها، أحرى بأن يكون، إنما يدل، على وضع ما للأجزاء، فإنه إنما يقال كثيف، بأن أجزاءه، متقاربٌ بعضُها من بعض، ويقال متخلخل، بأن أجزاءه، متباعدةٌ بعضُها عن بعض، ويقال أملس، بأن أجزاءه، موضوعة على استقامة ما، ويقال خَشِن، بأن بعضها يَفْضُل (زاد على الحاجة أو المطلوب)، وبعضها يَقْصُر (قلَّ عن الحاجة أو المطلوب).
ولعله قد يظهر للكيفية، ضربٌ ما آخر، إلا أن ما يذكر، خاصةً من ضروبها، فهذا مَبْلَغُه، فالكيفيات، هي هذه، التي ذُكِرَتْ.
وذوات الكيفية، هي التي يقال بها (الكيفية) على طريق المشتقة أسماؤها (من الكيفية)، أو على طريق آخر منها (الكيفية)، كيف كان.
فأما في أكثرها، أو في جميعها، إلا الشاذ منها، فإنما يقال، على طريق، المشتقة أسماؤها.
مثال ذلك، من البياض، أبيض، ومن البلاغة، بليغ، ومن العدالة، عادل، وكذلك، في سائرها.
وأما في الشاذّ منها، فلأنه، لم يوضع، للكيفيات أسماء، فليس يمكن أن يكون، يقال منها، على طريق المشتقة أسماؤها.
مثال ذلك، المُحاضِري (عداء)، أو المُلاكزي (مصارع)، الذي يقال، بقوة طبيعية، فليس يقال، في اللسان اليوناني، عن كيفية من الكيفيات، على طريق، المشتقة أسماؤها.
وذلك، أنه لم يوضع للقوي، في اللسان اليوناني، اسم، فيقال بها (بالقوى) هؤلاء، كيف هم، كما وضع للعلوم، وهي التي بها يقال، ملاكزيين، أو مناضليين، من طريق الحال، فإنه يقال، علم ملاكزي، أي علم الملاكزة (مصارعة)، و علم مناضلي، أي علم المناضلة، ويقال في حالهم، من هذه (العلوم)، على طريق المشتقة أسماؤها، كيف هم.
وربما كان لها (الكيفية)، اسم موضوع، ولا يقال، المُكيَّف بها، على طريق، المشتقة أسماؤها.
مثال ذلك، من الفضيلة، مجتهد (مجتهد، وليس فاضل، على طريق، المشتقة أسماؤها)، فإن الذي له فضيلة، إنما يقال، مجتهد، ولا يقال في اللسان اليوناني، من الفضيلة، على طريق المشتقة أسماؤها. وليس ذلك، من الكثير.
فذوات الكيفية، يقال، التي تدعى من الكيفيات، التي ذكرت، على طريق المشتقة أسماؤها، أو على طريق آخرٍ منها، كيف كان.
وقد يوجد أيضا، في الكيف، مُضَّادةٌ، مثال ذلك، أن العدل، ضد الجور، وكذلك البياض والسواد، وسائر ما أشبه ذلك.
وأيضا، ذواتُ الكيفية بها، مثال ذلك، الجائر، للعادل، والأبيض، للأسود. إلاّ أن، ذلك ليس فيها، كلها، فانه ليس للأشقر، ولا للأصفر، ولا لِما أشبه ذلك، من الألوان، ضدٌّ أصلا، وهي ذوات، كيفية.
وأيضا، إن كان أحد المتضادين، أيهما كان، كيفًا، فإن الآخر، أيضا يكون كيفا. وذلك بَيِّنٌ، لمن تصفح، سائر النعوت.
مثال ذلك، إن كان العدل، ضدّ الجور، وكان العدل كيفا، فإن الجور أيضا، كيف. فإنه لا يطابق، الجُور، ولا واحدًا، من سائر النعوت، لا الكم مثلا، ولا المضاف، ولا أين، ولا واحدا، من سائر ما يجري مجراها، بتةً، ما خلا، الكيف، وكذلك في سائر المتضادات التي، في الكيف.
وقد يقبل أيضا، الكيفُ، الأكثَر والأقلَّ، فإنه يقال، إن هذا أبيض، بأكثر من غيره، أو بأقل، وهذا عادل، بأكثر من غيره، أو بأقل.
وهي أنفسها، تحتمل الزيادة، فإن الشيء الأبيض، قد يمكن أن يزيد بياضه، فيصير، أشدّ بياضا.
وليس كلها، ولكن أكثرها، فإنه، مما يشك فيه، هل يقال عدالة، أكثر، أو أقل، من عدالة، وكذلك، في سائر الحالات. فإن قوما، يمارون في أشباه هذه، فيقولون، إنه لا يكاد أن يقال، عدالة أكثر، ولا أقل من عدالة، ولا صحة أكثر، ولا أقل من صحة، ولكنهم يقولون، إن لهذا، صحةً أقل، مما لغيره، ولهذا، عدالة، أقل مما لغيره، وعلى هذا المثال، لهذا، كتابة، أقل من كتابة غيره، وسائر الحالات.
فأما ما تُسَمّى بها، فإنها تقبل الأكثر، والأقل، بلا شك، فإنه يقال، إن هذا أبلغ من غيره، وأعدل، وأصحّ، وكذلك الأمر، في سائرها.
وأما المثلث، والمربع، فلن يُظَنَّ، أنهما يقبلان، الأكثر، ولا الأقل، ولا شيء من سائر الأشكل، البتة.
فإن، ما قَبِلَ قولَ المثلث، أو قول الدائرة، فكله على مثال واحد، مثلثات، ودوائر، وما لم يقبِلَه، فليس يقال، إن هذا، أكثر من غيره فيه، فإنه، ليس المربع، في أنه دائرَة، أكثر من المستطيل، إذ كان، ليس يقبل ولا واحد منهما، قولَ الدائرة.
وبالجملة، إنما يوجد، أحد الشيئين، أكثر من الآخر، إذا كانا جميعا، يقبلان، قول الشيء، الذي يُقْصَد له.
فليس كل الكيف، إذا، يقبل الأكثر، والأقل.
فهذه التي ذكرت، ليس منها شيء، هو خاصةُ الكيفية، فأما الشبيه، وغير الشبيه، فإنما يقالان، في الكيفيات وحدها، فإنه، ليس يكون، هذا شبيها، بغيره، بشيء، غير ما هو به كيف، فتكون خاصة الكيفية، أن بها يقال، شبيه، وغير شبيه.
وليس ينبغي، أن يتداخلك الشكُّ، فتقول، إنَّا قَصَدْنا الكلام، في الكيفية، فعدَّدنا كثيرا من المضاف، إذ الملكات، والحالات، من المضاف، فإنه تكاد، أن تكون، أجناس هذه كلها، وما أشبهها، إنما تقال، من المضاف، وأما الجزئيات، فلا شيء منها البتة (يقال من المضاف).
فإن العلم، وهو جنس، ماهيته، إنما تقال، بالقياس إلى غيره، وذلك، أنه إنما يقال، عِلمٌ بشيء. فأما الجزئيات (جزئيات العلم)، فليس شيء منها، ماهيته تقال، بالقياس إلى غيره، مثال ذلك، النحو، ليس يقال، نحوًا بشيء، ولا الموسيقى، هي موسيقى بشيء، اللهم، إلا أن تكون هذه، أيضا قد تقال، من المضاف، من طريق الجنس، مثال ذلك، النَّحو، يقال، علما بشيء، لا نحوا بشيء، والموسيقى، علماً بشيء، لا موسيقى بشيء، فيجب أن تكون، الجزئيات (العلوم الجزئية)، ليس من المضاف.
ويقال لنا، ذوو كيفية (سِمَة)، بالجزئيات (العلوم الجزئية)، وذلك، أنه إنما لنا هذه (العلوم الجزئية)، فإنّا، إنما يقال لنا علمٌ، بأن لنا، من العلوم الجزئية.
فيجب من ذلك، أن تكون، هذه أيضا، أعني الجزئيات، كيفيات، وهي التي بها، نُدعى ذوي كيفية، وليس هذه، من المضاف.
وأيضا، أن أُلْفِيَ، شيء واحد، بعينه، كيفاً ومضافا، فليس بمُنْكَرٍ، أن يُعَدَّ في الجنسين، جميعا.
وقد يقبل، يَفْعَل (عَمَلَ، أَثَّرَ)، ويَنْفَعِل (يتأثَّر)، مُضادة، والأكثر، والأقل.
فإن يُسَخِّن، مضاد، ليُبَرِّد، ويَسْخُن، مضاد، ليَبْرُد، ويَلْتَذّ، مضاد، ليتأذى، فيكونان، قد يقبلان، المضادة.
وقد يقبلان أيضا، الأكثر والأقل، فإنَّ يُسَخِّن، قد يكون، أكثر وأقل، ويَسْخُن، أكثر وأقل، ويتأذى، أكثر وأقل. فقد يقبل إذن، يفعل وينفعل، الأكثرَ والأقلَّ.
فهذا مبلغ، ما نقوله، في هذه.
وقد قيل في الموضوع (الذي في وضع)، أيضا، في باب المضاف (النسبة)، أنه، إنما يقال من الوضع، على طريق المشتقة أسماؤها.
فأما في الباقية، أعني، في متى، وأين، وفي له، فإنها، إذ كانت واضحة، لم نقل فيها شيئا، سوى ما قلناه بدءاً، من أنه يدل، أما على له، فمُنْتَعِل، مُتَسَلِّح، وأما على أين، فمثل قولك، في لوقِيُن، وسائر ما نقلناه فيها.
فهذا ما نكتفي به، من القول، في الأجناس، التي إياها قَصَدنا.
وقد ينبغي، أن نقول في المتقابلات، على كم جهة، من شأنها أن تتقابل.
فنقول: إن الشيء، يقال، إنه يقابل غيرَه، على أربعة أوجه: إما على طريق المضاف، وإما على طريق المُضَادَّة، وإما على طريق، العَدَم والملكة، وإما على طريق، الموجبة والسالبة.
فتقابُلُ، واحدٍ واحدٍ، من هذه، إذا قيل على طريق الرسم (بِاختِصَار): أما على طريق المضاف، فمثل، الضِّعف للنصف، وأما على طريق المضادة، فمثل الشرير، للخيِّر، وأما على طريق، العَدَم والمَلَكة، فمثل العَمَى والبصر، وأما على طريق، الموجبة والسالبة، فمثل جالس، ليس بجالس.
فما كان يقابل، على طريق المضاف، فإن ماهيته، إنما تقال بالقياس، إلى الذي إياه، تقابل، أو على نحو آخر، من أنحاء النسبة إليه.
مثال ذلك، الضِّعف، عند النصف، فإن ماهيته، إنما تقال، بالقياس إلى غيره. وذلك، أنه إنما هو، ضعفٌ لشيء.
والعلم أيضا، يقابل المعلوم، على طريق المضاف، وماهية العلم، إنما تقال، بالقياس إلى المعلوم، والمعلوم أيضاً، فماهيته، إنما تقال، بالنسبة إلى مقابِلِهِ، أي إلى العلم، فإن المعلوم، إنما يقال، إنه معلوم، عند شيء، أي عند العلم.
فما كان إذا، يقابل على طريق المضاف، فإن ماهيته، إنما تقال، بالقياس إلى غيره، أو يقال، بعضها عند بعض، على نحو آخر.
فأما على طريق، المضادة، فإن ماهيتها، لا تقال، أصلاً بعضُها عند بعض (مترابطة)، بل إنما يقال، إن بعضها، مضادةٌ لبعض.
فإنه ليس يقال، إن الخّيِّر، هو خَيِّر، للشرير، بل مضاد له، ولا الأبيض، أبيض، للأسود، بل مضاد له، فتكون، هاتان الُمقابلتان، مختلفتين.
وما كان من المتضادة، هذه حالُها (مضادةٌ لبعض)، أعني، أن الأشياء، التي من شأنها، أن يكون وجودها فيها، أو الأشياء، التي تنعت بها، يجب ضرورة، أن يكون، أحد المتضادين، موجوداً فيها، فليس فيما بينهما، متوسط أصلا، وما كان ليس واجباً، أن يكون أحدهما، موجوداً فيها، فتلك فيما بينهما، متوسطٌ، لا محالة.
مثال ذلك، الصحة والمرض، من شأنهما، أن يكونا، في بدن الحيوان، ويجب ضرورة، أن يكون أحدهما، أيهما كان، موجودا، في بدن الحيوان، إما المرض، وإما الصحة.
والفرد والزوج، ينعت بهما العدد، ويجب ضرورة، أن يوجد، أحدهما، أيهما كان، في العدد، إما الفرد، وإما الزوج.
وليس فيما بين هذه، متوسط البتة، لا بين الصحة والمرض، ولا بين الفرد، والزوج.
فأما، ما لم يكن واجباً، أن يوجد فيها، أحدهما، فتلك، فيما بينها، متوسط، مثال ذلك، السواد والبياض، من شأنهما، أن يكونا في الجسم، وليس واجبا، أن يكون أحدهما، موجوداً في الجسم، فإنه ليس كل جسم، فهو إما أبيض، وإما أسود.
والمحمود والمذموم، قد ينعت بهما الإنسان، وتنعت بهما، أيضاً، أشياء كثيرة غيره، إلا أنه ليس بواجب، ضرورة أن يكون أحدهما، موجوداً في تلك الأشياء، التي تُنْعَت بهما، وذلك، أنه ليس كل شيء، فهو إما محمود، وإما مذموم.
فَبَيْنَ هذه، متوسطات ما، مثال ذلك، أن بين الأبيض، وبين الأسود، الأدكنَ، والأصفرَ، وسائر الألوان، وبين المحمود، والمذموم، ما ليس بمحمود، ولا مذموم.
فإن في بعض الأمور، قد وضعت، أسماء للأوساط، مثال ذلك، أن بين الأبيض، وبين الأسود، الأدكنَ والأصفرَ.
وفي بعضها، لا يمكن العبارة، عن الأوسط، باسم، بل، إنما يحدّ الأوسط، بسلب الطرفين، مثال ذلك، لا جيد ولا رديء، ولا عدل ولا جور.
فأما العدم (حِرمان) والملكة، فإنهما يقالان، في شيء واحد، بعينه، مثال ذلك، البَصَر والعمى، في العين.
وعلى جملة من القول، كل ما كان، من شأن الملكة، أن تكون فيه (مثل العين)، ففيه يقال، كل واحد منهما.
وعند ذلك، نقول، في كل واحد، مما هو قابل للملكة، إنه عادمٌ، عندما لا تكون موجودة، للشيء، الذي من شأنها، أن تكون موجودة له، وفي الحين، الذي من شأنها، أن تكون له، فيه.
فإنا، إنما نقول، أَدْرَد، لا لمن لم تكن له أسنان، ونقول، أعمى، لا لمن، لم يكن له بصر، بل، إنما نقول ذلك، فيما لم يكونا له، في الوقت، الذي من شأنهما، أن يكونا، له، فيه.
فإن البعض، ليس له، حين يولد، لا بصر، ولا أسنان، ولا يقال فيه، أنه أدرد، ولا أنه، أعمى.
وليس، أن تُعْدَم الملكة، وأن توجد الملكة، هما، العدم والملكة، من ذلك، أن البصر، ملكة، والعمى، عدم، وليس أن يوجد البصر (يكون بصير)، هو البصر، ولا أن يوجد العمى (يكون أعمى)، هو العمى، فإن العمى، هو عدمٌ ما، فأمّا، أن يكون الحيوان، أعمى، فهو أن يَعدمَ البصر (يكون أعمى)، وليس هو، العدم.
فإنه، لوكان العمى، وأن يوجد العمى (يكون أعمى، كُفّ بَصَرُهُ)، شيئاً واحداً بعينه، لقد كانا جميعاً، ينعت بهما، شيء واحد بعينه، غير أنا، نجد الإنسان، يقال له، أعمى، ولا يقال له، عمى (فِقْدانُ البَصَر)، على وجه من الوجوه.
ومظنون، أن هذين، أيضاً يتقابلان، أعني، أن تُعْدَم الملكة، وأن توجد الملكة، كتقابل العدم، والملكة، وذلك، أن جهة المضادة، واحدة، بعينها، فإنه، كما العمى، يقابل البصر، كذلك الأعمى، يقابل البصير.
وليس أيضاً، ما تقع عليه، الموجِبة، والسالبة، موجِبةً، ولا سالبةً، فإن الموجبة، قول مُوجِب، والسالبة، قول سالب، فأما ما تقع عليه، الموجبة والسالبة، فليس منها شيء، هو قول.
ويقال، في هذه أيضاً (ما تقع عليه، الموجِبة، والسالبة)، إنها يقابل بعضها، مثل الموجبة، والسالبة، فإن في هذه أيضاً، جهة المقابلة، واحدة بعينها.
وذلك أنه، كما أن الموجبة، تقابل السالبة، مثال ذلك، قولك، إنه جالس، لقولك، إنه ليس بجالس، كذلك يتقابل أيضاً، الأمران، اللذان يقع، عليهما، كل واحد من القولين، أعني، الجلوس، لغير الجلوس.
فأما، أن العدم والملكة، ليسا متقابلين، تقابل المضاف، فذلك ظاهر، فإنه ليس ماهيته (ماهية كل واحد منهما)، تقال بالقياس، إلى مُقابِلِهِ.
وذلك أن، البصر، ليس هو بصراً، بالقياس إلى العمى، ولا ينسب إليه، على جهة أخرى أصلا.
وكذلك أيضاً، ليس يقال، العمى عمى للبصر، بل إنما يقال، العمى عدم للبصر، فأما عمى للبصر، فلا يقال.
وأيضا، فإن كل مضافين، فكل واحد منهما، يرجع على صاحبه، في القول بالتكافؤ، فقد كان يجب في العمى أيضا، لو كان من المضاف، أن يرجع بالتكافؤ، على ذلك الشيء، الذي إليه يضاف بالقول، لكنه، ليس يرجع بالتكافؤ، وذلك أنه ليس يقال، إن البصر، هو بصر للعمى.
ومن هذه الأشياء (التي أنا قائلها)، يتبين أيضا، أن التي تقال، على طريق العدم والملكة، ليست متقابلة، تقابل المضادة.
فإن المتضادين، اللذين ليس بينهما متوسط، أصلاً، قد يجب ضرورة، أن يكون أحدهما، موجوداً دائماً، في الشيء الذي فيه، من شأنها أن تكون، أو في الأشياء، التي تنعت بها، فإن الأشياء، التي ليس بينها متوسط، أصلاً، كانت الأشياء، التي يجب ضرورة، أن يكون، أحد الشيئين منها، موجوداً، في القابل، مثال ذلك، في المرض والصحة، والفرد والزوج.
فأما اللذان (المتضادين)، بينهما متوسط ما، فليس واجباً ضرورة، في حين من الزمان، أن يكون أحدهما، موجوداً في كل شيء (القابل؛ الذي فيه، من شأنها أن تكون)، فإنه ليس كلُّ شيء قابلا، فواجب ضرورة، أن يكون، إما أبيض، وإما أسود، وإما حاراً، وإما باردا، وذلك، أنه ليس مانع، من أن يكون، إنما يوجد فيه، شيء، مما في الوسط.
وأيضا، فإنه قد كانت الأشياء، التي بينها متوسط ما، هي الأشياء، التي ليس واجباً ضرورة، أن يكون أحد الشيئين (الضدين)، موجوداً في القابل، ما لم يكن أحدهما، موجوداً بالطبع (حالة الشيء الأصلية)، مثل، أن يوجد بالطبع، للنار، أنها حارة، وللثلج، أنه أبيض، وفي هذه، وجود أحد الشيئين (الضدين)، مُحَصَّلاً (خلَّصه وميَّزه من غيره) واجب، لا أيهما اتفق. فإنه، ليس يمكن، أن تكون النار باردة، ولا الثلج، أسود.
فيكون، ليس يجب وجود، أحد الشيئين، أيهما كان، في كل قابل، لكن، وجود الواحد، فيما هو له بالطبع، دون غيره، ووجود الواحد، في هذه، مُحَصَّلاً، لا أيهما، اتفق.
فأما، في العدم والملكة، فليس يصح، ولا واحد، من الأمرين، اللذين ذكرا.
وذلك، أنه ليس يجب، ضرورة، أن يوجد دائماً، في القابل، أحدهما، أيهما كان، فإن، ما لم يبلغ بعدُ، إلى أن يكون من شأنه، أن يبصر، فليس يقال فيه، لا أنه أعمى، ولا أنه بصير، فيكون هذان، ليسا من المضادات، التي ليس بينها، متوسط أصلاً.
ولا هما أيضاً، من المتضادات، التي بينها، متوسط ما، فإن أحدهما، موجودٌ، في كل قابلٍ، ضرورةً، أعني، أنه إذا صار، في أحدٍ ما، من شأنه أن يكون له بصر، فحينئذ، يقال له، أعمى، أو بصير، وليس يقال فيه، أحدهما، محصلا، لكن أيهما، إتفق، فإنه، ليس يجب فيه، لا العمى، ولا البصر، بل أيهما، اتفق.
فأما المتضادات، التي بينها متوسط، فلم يكن يلزم ضرورة، في وقت من الأوقات، أن يكون أحدهما، موجوداً في الكل، لكن في البعض، وفي هذه أيضاً، أحدهما، مُحَصَّل.
فيكون، قد تبين من ذلك، أن التي تقال، على طريق العدم والملكة، ليست تتقابل، ولا كواحدة، من جهتي تقابل، المتضادات.
وأيضاً، فإن المتضادات، إن كان القابل، موجوداً، فقد يمكن، أن يكون تغيرٌ، من كل واحد، من الأمرين، إلى الآخر، ما لم يكن الواحد، موجوداً لشيء، بالطبع، مثل ما للنار، الحرارة.
فإن الصحيح، قد يمكن أن يمرض، والأبيض، قد يمكن أن يصير أسود، والبارد، قد يمكن أن يصير حاراً، والصالح، قد يمكن أن يصير طالحا، والطالح، قد يمكن أن يصير صالحاً.
فإن الطالح، إذا نقل، إلى معاشرة، من هو على مذاهب، وأقاويل أجمل، فإنه قد يأخذ، في طريق الفضيلة، ولو يسيراً.
وإن هو أخذ، في هذه الطريق، مرة واحدة، فمن البَيِّن، أنه إما أن ينتقل، عما كان عليه، على التمام، وإما، أن يُمْعِن في ذلك، إمعاناً كثيراً.
وذلك، أنه كلما مرَّ (في هذا الطريق)، ازدادت سهولة الحركة عليه، إلى الفضيلة.
وإذا أخذ في هذا الطريق، ولو أخذاً يسيراً، منذ أول الأمر، حتى يكون وشيكا، بأن يمعن فيه، ثم تمادى في ذلك، ودام عليه، انتقل على التمام، إلى الملكة المضادة لها، إن لم يقصر به الزمان.
فأما العدم والملكة، فليس يمكن، أن يكون فيهما التغير، من البعض إلى البعض.
فإن التغير، من الملكة إلى العدم، قد يقع، وأما من العدم، إلى الملكة، فلا يمكن أن يقع، فإنه لا من صار أعمى، يعود فيبصر، ولا من صار أصلع، يعود ذا جُمَّة، ولا من كان أدرد، تنبت له الأسنان.
ومن البَيِّن، أن التي تتقابل، على طريق، الموجبة والسالبة، فليس تقابلها، ولا على واحد، من هذه الأنحاء، التي ذُكِرَت، فإن في هذه وحدها، يجب ضرورةً، أن يكون أبداً، أحدهما صادقاً، والآخر كاذباً.
لا في المتضادات ولا في المضاف، ولا في العدم والملكة، مثال ذلك، الصحة والمرض، متضادان، وليس واحدة منهما، لا صادقاً، ولا كاذبا، وكذلك، الضِّعف والنصف، يتقابلان على طريق المضاف، وليس واحد منهما، لا صادقاً، ولا كاذباً، ولا أيضاً، التي، على جهة العدم والملكة، مثل البصر والعمى، وبالجملة، فإن التي تقال، بغير تأليف أصلاً، فليس شيء منها، لا صادقاً، ولا كاذباً، وهذه التي ذُكِرَتْ كلها، إنما تقال، بغير تأليف.
إلاً أنه قد يُظَنَّ، أن ذلك، يلزم خاصةً، في المتضادات، التي تقال بتأليف، فإن، سقراط صحيح، مضادٌّ، ل سقراط مريض.
لكنه، ليس يجب ضرورة، دائماً، ولا في هذه، أن يكون أحدهما، صادقاً، والآخر كاذباً.
فإن سقراط، إذا كان موجوداً، كان أحدهما صدقاً، والآخر كذباً، وإذا لم يكن موجوداً، فهما جميعاً، كاذبان، وذلك، أنه، متى لم يكن سقراط موجوداً، البتة، لم يكن صدقا، لا أن سقراط مريض، ولا أنه صحيح.
وأما، في العدم والملكة، فإن العين (الموضوع)، إذا لم تكن موجودة أصلاً، لم يكن، ولا واحد من الأمرين، صدقاً، ومتى كانت، أيضاً موجودة، لم يكن، أبداً أحدهما، صادقاً، فإن، سقراط بصير، مقابل، لسقراط أعمى، تَقَابُل، العدم والملكة.
وإذا كان موجوداً، فليس واجبا، ضرورة، أن يكون، أحدهما صادقاً، أو كاذباً، فإنه، ما لم يأت الوقت، الذي من شأنه، أن يكون فيه، بصيراً أو أعمى، فهما جميعاً، كاذبان، ومتى لم يكن، أيضاً سقراط أصلاً، فعلى هذا الوجه أيضاً، الأمران، جميعاً كاذبان، أعني، أنه بصير، وأنه أعمى.
فأما، في الموجبة والسالبة، فأبداً، سواء كان موجوداً، أو لم يكن موجوداً، فإن أحدهما، يكون كاذباً، والآخر، صادقاً.
فإن القول، بأن سقراط مريض، وأن سقراط ليس مريضاً، إن كان سقراط موجوداً، فظاهر، أن أحدهما صادق، أو كاذب، وإن لم يكن موجوداً، فعلى هذا المثال.
فإن القول، بأن سقراط مريض، إذا لم يكن، سقراط موجودا، كاذبا، والقول، بأنه ليس مريضا، صادق.
فيكون، في هذه وحدها، خاصةً، أحد القولين، أبداً صادقا، أو كاذباً، أعني، التي تتقابل، على طريق الموجبة، والسالبة.
والشر (الرداءة)، ضرورةً، مضادٌّ للخير، وذلك بَيِّنٌ، بالاستقراء (إكتشاف العام، من الخاص؛ إثبات الحكم للكل، بعد ثبوته، لأكثر أفراد، ذلك الكل) في الجزئيات (فُرادَى).
مثال ذلك، المَرَض للصحة، والجور للعدل، والجبن للشجاعة، وكذلك أيضاً، في سائرها.
فأما المضاد للشر، فربما كان الخير، وربما كان الشر، فإن النقص هو شرٌّ، يضاده الإفراط وهو شر، وكذلك التوسط مضاد لكل واحد منهما، وهو خير. وإنما يوجد ذلك، في اليسير من الأمور، فأما في أكثرها، فإنما الخير، دائماً مضادٌّ، للشر.
وأيضا، فإن المتضادين، ليس واجباً ضرورة، متى كان أحدهما موجوداً، أن يكون الباقي (الآخَر)، موجوداً.
وذلك أنه، إن كانت الأشياء، كلُّها صحيحة، فإن الصحة، تكون موجودة، فأما المرض، فلا، وإن كانت الأشياء، كلها بيضاء، فإن البياض، موجود، فأما السواد، فلا. وأيضاً، إن كان، أن سقراط صحيح، مضاداً، لأن سقراط مريض، وكان لا يمكن، أن يكونا جميعاً، موجودين فيه بعينه، فليس يمكن، متى كان أحد هذين المتضادين، موجوداً، أن يكون الباقي، أيضاً موجوداً، فإنه، متى كان موجوداً، أن سقراط صحيح، فليس يمكن أن يكون، أن سقراط مريض.
ومن البَّيِّن، أن كل متضادين، فإنما شأنهما، أن يكونا في شيء واحد، بعينه، فإن الصحة والمرض، في جسم الحي، والبياض والسواد، في الجسم على الإطلاق، والعدل والجور، في نفس الإنسان.
وقد يجب، في كل متضادين، إما أن يكونا، في جنس واحد، بعينه، وإما أن يكونا، في جنسين متضادين، وإما، أن يكونا أنفسهما، جنسين.
فإن الأبيض والأسود، في جنس واحد، بعينه، وذلك أن جنسهما، اللون.
فأما العدل والجور، ففي جنسين متضادين، فإن الجنس، لذاك، فضيلة، ولهذا، رذيلة.
وأما الخير والشر، فليسا في جنس، بل هما أنفسهما، جنسان لأشياء.
يقال، إن شيئاً، متقدم (سابق) لغيره، على أربعة أوجه.
أما الأول، وعلى التحقيق (الإثبات بالدليل والبرهان)، فبالزمان، وهو الذي به يقال، إن هذا، أَسَنُّ من غيره، أو هذا، أَعْتَقُ من غيره، فإنه، إنما يقال، أسن أو أعتق، من جهة أن زمانَه، أكثر.
وأما الثاني، فما لا يرجع بالتكافؤ، في لزوم الوجود، مثال ذلك، أن الواحد، متقدم للاثنين، لأن الاثنين، متى كانا موجودين، لَزِم بوجودهما، وجودُ الواحد، فإن كان الواحدُ موجوداً، فليس واجباً ضرورة، وجود الاثنين، فيكون، لا يرجع بالتكافؤ، من وجود الواحد، لزوم وجود الاثنين، ومظنون، أن ما لم يرجع منه بالتكافؤ، في لزوم الوجود، فهو متقدم.
وأما المتقدم الثالث، فيقال، على مرتبةٍ ما (تَرتِيب)، كما يقال، في العلوم، وفي الأقاويل. فإن في العلوم البرهانية، قد يوجد المتقدم، والمتأخر، في المرتبة، وذلك أن الأسْطُقُسَّات (الأصل والعنصر، وهو أصغر الأشياء، من جملة الجسم، منه يكون الشيء، وإليه يرجع الشيء، منحلا)، متقدمة للرسوم، في المرتبة، وفي الكتابة، حروف المعجم، متقدمة للهجاء، وفي الأقاويل أيضا، على هذا المثال، الصدر (افتتاح الكتاب)، متقدم للاقتصاص (رواية الخبَر)، في المرتبة.
وأيضاً (الرابع)، مما هو خارج، عما ذكر، الأفضل والأشرف، قد يظن أنه متقدم، في الطبع، ومن عادة الجمهور، أن يقولوا في الأشرف عندهم، والذين يخصونهم بالمحبة، أنهم متقدمون عندهم، ويكاد أن يكون هذا الوجه، أشد هذه الوجوه، مباينَة (مخالفة).
فهذا أيضا، يكاد أن يكون، مبلغ الأنحاء، التي يقال عليها المتقدم.
ومظنون، أن هاهنا، نحواً آخر، للمتقدم، خارجاً من الأنحاء، التي ذُكِرت.
فإن السبب، من الشيئين، اللذين يرجعان بالتكافؤ، في لزوم الوجود، على أي جهة كان، سبباً لوجود الشيء الآخر، فبالواجب، يقال إنه متقدِّم بالطبع.
ومن البيِّن، أن هاهنا، أشياءٍ ما، تجري هذا المجرى: أن الإنسان موجود، يرجع بالتكافؤ، في لزوم الوجود، على القول الصادق فيه.
فإنه، إن كان الإنسان موجوداً، فإن القول، بأن الإنسان موجود، صادق، وذلك يرجع بالتكافؤ، فإنه، إن كان القول، بأن الإنسان موجود، صادقاً، فإن الإنسان موجود.
إلاً أن، القول الصادق، لا يمكن أن يكون سببا، لوجود الأمر، بل الذي يظهر، أن الأمر سبب، على جهة من الجهات، لصدق القول، وذلك، أن بوجود الأمر، أو بأنه غير موجود، يقال، إن القول صادق، أو كاذب.
فيكون، قد يقال، إن شيئاً، متقدم لغيره، على خمسة أوْجُه.
يقال، مَعَاً، على الإطلاق، والتحقيق، في الشيئين، إذا كان تكوُّنهما، في زمان واحد بعينه، فإنه، ليس واحد منهما، متقدماً، ولا متأخراً. وهذان يقال فيهما، أنهما معا، في الزمان.
ويقال، معا، بالطبع (حالة الشيء الأصلية)، في الشيئين، إذا كانا يرجعان بالتكافؤ، في لزوم الوجود، ولم يكن أحدهما، سبباً أصلاً، لوجود الآخر، مثال ذلك، في الضِّعف والنصف، فإن هذين، يرجعان بالتكافؤ.
وذلك، أن الضعف، إن كان موجوداً، فالنصف موجود، والنصف، إذا كان موجوداً، فالضِّعف موجود، وليس ولا واحد منهما، سببا، لوجود الآخر.
والتي هي من جنسٍ واحدٍ، قسيمةُ (تعين حدود) بعضِها لبعض، يقال، إنها معا، بالطبع.
والقسيمة، بعضها لبعض، يقال، إنها التي بتقسيم واحد، مثال ذلك، الطائر، قسيم، المَشَّاء (ماشي؛ سائِر) والسابح (مائِيّ).
فإن هذه، قسيمةُ بعضها لبعض، من جنس واحد، وذلك أن الحيّ، ينقسم إلى هذه، أعني، إلى الطائر، والماشي، والسابح.
وليس واحدٌ من هذه، أصلاً متقدماً، ولا متأخراً، لكن أمثال هذه، مظنون بها، معاً بالطبع.
وقد يمكن، أن يُقَسَّم، كلُّ واحد من هذه أيضاً (مثال ذلك، المشاء، والطائر والسابح)، إلى أنواع، فتكون تلك (المقسمة) أيضاً، معا بالطبع، أعني، التي هي من جنس واحد، بتقسيم واحد.
فأما الأجناس، فإنها أبداً، متقدمة، وذلك، أنها لا ترجع بالتكافؤ، بلزوم الوجود.
مثال ذلك، أن السابح، إذا كان موجودا، فالحي موجود، وإذا كان الحي موجوداً، فليس واجباً ضرورة، أن يكون السابح، موجوداً.
فالتي تقال، إنها معا بالطبع، هي التي ترجع، بالتكافؤ بلزوم الوجود، وليس واحد من الشيئين، سببا أصلاً، لوجود الآخر، والتي هي من جنس واحد، قسيمة بعضها لبعض.
فأما التي تقال، على الإطلاق إنها معاً، فهي التي تكونها، في زمان واحد، بعينه.
أنواع الحركة، ستة: التكوُّن، والفساد، والنمو، والنقص، والاستحالة (تَحَوُّل)، والتغير بالمكان.
فأما سائر، هذه الحركات، بعد الاستحالة، فظاهر، أنها مخالفة (مختلفة؛ متباينة)، بعضها لبعض، وذلك، أنه ليس التكون، فساداً، ولا النمو نقصاً، ولا التغير بالمكان، وكذلك سائرها.
فأما الاستحالة، فقد يسبق إلى الظن فيها، أنه يجب ضرورة، أن يكون ما يستحيل، إنما يتمُّ، بحركة ما، من سائر الحركات.
وليس ذلك بحق، فإنا، نكاد أن يكون، في جميع التأثيرات (الانفعالات)، التي تحدث فينا، أوفي أكثرها، تلزمنا (رَافَقَت وَلَمْ تُفَارِقْ) الاستحالةُ، وليس يشوبنا في ذلك، شيء، من سائر الحركات، فإن المتحرك بالتأثير، ليس يجب، لا أن ينمى، ولا أن يلحقه نقص، وكذلك في سائرها، فتكون الاستحالة، غير سائر الحركات.
فإنها، لو كانت، هي وسائر الحركات، شيئاً واحدا، لقد كان، يجب أن يكون، ما استحال (تَحَوَّل)، فقد نما لا محالة، أو نَقَص، أو لزمه شيء، من سائر الحركات، لكن، ليس ذلك واجباً.
وكذلك أيضاً، ما نمى، أو تحرك حركةً ما، أخرى، كان يجب أن يستحيل، لكن، كثيراً من الأشياء، تَنْمِى، ولا تستحيل.
مثال ذلك، أن المربع، إذا أضيف إليه، الجنومون (آلة، تشير إلى الأوقات، أو ارتفاعات الشمس، بواسطة إسقاط الظل، على مستو، أو على سطح منحن)، حتى يحدث العلم، فقد تزايد، إلاً أنه لم يحدث فيه، حَدَثٌ، حَالَهُ، عما كان عليه، وكذلك، في سائر ما يجري، هذا المجرى، فيجب من ذلك، أن تكون هذه الحركات، مخالفة، بعضها لبعض.
والحركة، على الإطلاق، يضادها، السكون، وأما الحركات الجزئية، فتضادها، الجزئيات.
وأما التكوُّن، فيُضاده، الفساد، والنمو، يضاده النقص، والتغير بالمكان، يضاده، السكون في المكان، وقد يشبه، أن يكون، قد يقابل هذه الحركة، خاصةً، التغير، إلى الموضع المضاد، لذلك الموضع، مثال ذلك، التغير إلى فوق، للتغير إلى أسفل، والتغير إلى أسفل، للتغير إلى فوق.
فأما الحركة الباقية، من الحركات التي وُصِفَت، فليس بسهلٍ، أن يعطى لها ضد، فقد يشبه، أن لا يكون لهذه، ضد، اللهم، إلا أن يجعل جاعل، في هذه أيضاً المقابل، هو السكون في الكيف، أو التغير، إلى ضد ذلك الكيف، كما جعل المقابل، في الحركة في المكان، السكون في المكان، أو التغير، إلى الموضع المضاد.
فإن الاستحالة، تغيرٌ بالكيف، فيكون، يقابل الحرَكَة في الكيف، السكونُ في الكيف، أو التغير، إلى ضد ذلك الكيف، مثل مصيرِ الشيءِ أسودَ، بعد أن كان أبيض، فإنه يستحيل (يتَحَوَّل)، إذا حدث له تغير، إلى ضد ذلك الكيف.
إن له، يقال، على أنحاء شتى.
وذلك، أنها تقال، إما على طريق، الملكة والحال، أو كيفية ما، أخرى، فإنه يقال فينا (الناس)، إن لنا معرفة، ولنا فضيلة.
وإما على طريق الكم، مثال ذلك، المقدار، الذي يتفق، أن يكون للإنسان، فإنه يقال، إن له مقداراً، طوله، ثلاث أذرع، أو أربع أذرع.
وإما على طريق، ما يشتمل على البدن، مثل الثوب، أو الطَّيْلَسان (كِسَاءٌ أَخْضَرُ، يَرْتَدِيهِ العُلَمَاءُ وَالْمَشَايِخُ)، وإما في جزء منه، مثل الخاتم في الإصبع، وإما على طريق الجزء (من البدن)، مثال ذلك، اليد أو الرجل.
وإما على طريق، ما في الإناء، مثال ذلك، الحِنْطة في المُدْي (المكيال)، أو الشراب، في الدّنِ (وعاء ضخم)، فإن اليونانيين، يقولون، إن الدَّنّ، له شراب، بمعنى فيه شراب، والمُدْي له حنطة، فيه حنطة، فهذان، يقال فيهما، له، على طريقي، ما في الإناء.
وإما على طريق المِلْك، فإنه قد يقال، إن لنا بيتا، ولنا ضيعة، وقد يقال في الرجل أيضاً، إن له زوجة، ويقال في المرأة، إن لها زوجاً، إلا أن هذه الجهة، التي ذكرت، في هذا الموضع، أبعد الجهات كلها، من له، فإن قولنا، له امرأة، لسنا ندل به، على شيء أكثر، من المقارنة.
ولعله قد يظهر لقولنا، له، أنحاء ما أُخَر، فأما الأنحاء، التي جرت العادة، باستعمالها في القول، فيكاد أن يكون، قد أتينا، على تعديدها.