إن من البيان لسحرا، أو حكاية: الشيخ، والبغلة، الليالي العربية

فتقدم الشيخ الثالث، وقال: أيها الجنيّ، يا سيدي، لا تكسر خاطري، وانا، إذا حكيت لك حكايتي، مع هذه البغلة، التي هي أعجب وأغرب، من هاتين الحكايتين، تهب لي، باقي دمه وجنايته؟

قال العفريت: نعم.

وأدرك لُبَابَة الصباح، فسكتت، وغداً قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ الثالث، قال للعفريت: إسمع أيها الجني، إن هذه البغلة، كانت زوجتي، فسافرت وغبت عنها، سنة كاملة، ثم قضيت سفري، ورجعت، فكان وصولي لمنزلي، ليلاً، فدخلت عليها، فوجدتها، تدخل عليّ، الرجال الأجانب، تنادمهم، راقدة في الفراش، في كلام وغنج وضحك، فلما رأتني، عجلت، وقامت إلي، بكوز فيه ماء، فتكلمت عليه، ورشتني، وقالت: اخرج من هذه الصورة، إلى صورة كلب.

فصرت في الحال كلبًا، فطردتني من البيت، فخرجت من الباب، ولم أزل سائرًا، حتى وصلت، إلى دكان جزار، فتقدمت، وصرت آكل من العظام، فلما رآني صاحب الدكان، أخذني، ودخل بي بيته، فلما رأتني، بنت الجزار، غطت وجهها مني، وقالت لأبيها: أتجيء لنا، برجل غريب، وتدخل به علينا؟

فقال أبوها: وأين الرجل؟

قالت: إن هذا الكلب، سحرته امرأته، وأنا أقدر، أن أخلصه.

فلما سمع، أبوها كلامها، قال: بالله عليك، يا ابنتي، خلصيه، صدقة عن عافيتك.

فقامت بنت الجزار، وأخذت كوزًا فيه ماء، وقرأت عليه، ورشت عليّ منه قليلا، وقالت: اخرج من هذه الصورة، الى صورتك الأولى، بإذن الله تعالى.

فصرت إلى صورتي الأولى، فقمت، وقبلت يدها، وقلت لها: بالله عليك، أريد منك، أن تسحري لي زوجتي، كما سحرتني.

ثم، إنها أعطتني قليلاً من الماء، وقالت: إذا رأيتها نائمة، فرش عليها هذا الماء، وتكلم بالكلام، فإنها تصير، كما انت طالب.

فأخذت الماء، ودخلت على زوجتي، فوجدتها نائمة، غارقة في النوم، فرششت عليها الماء، وقلت لها: اخرجي من هذه الصورة، إلى صورة بغلة.

فصارت، في الحال بغلة، وهي التي تنظرها بعينك، أيها السلطان، ورئيس ملوك الجان، ثم، التفت إليها، وقال: أما هو صحيح؟

فهزت رأسها، وقالت بالإشارة: نعم، هذا صحيح.

وهذا حديثي، وما جرى لي.

فتعجب العفريت، واهتز من الطرب، وقال: إن من الْبَيَانِ لسحرا، قد وهبت لك، يا أيها الشيخ، ثلث الجناية، وأطلق لكم، هذا الرجل.

فأقبل التاجر على الشيوخ، وشكر فضلهم، فهنئوه بسلامته، وودعوه وتفارقوا، ورجع كل منهم، الى طريقه، والتاجر الى بلده، ودخل إلى عند زوجته، وأولاده، ففرحوا به، وعاش معهم، الى أن أدركه الممات، وما هذه بأعجب، من حكاية الصياد.