سلام الترجمان

برع العرب في فن الرواية والشعر، و بالسرد الأسطوري والبطولي ، ويظهر ذلك جليا في الكثير من أعمالهم وكتاباتهم.

يقال ان سلام الترجمان، هو من أحد رحالة القرن الثالث الهجري، وان الخليفة العباسي الواثق بالله، امره بالبحث عن سد يأجوج ومأجوج، فقد أبصر حلما ، فيه ان السد قد انفتح، وقد خرج منه يأجوج ومأجوج.

وهذا هو مفهوم الأسطورة او الملحمة، مشكلة يعالجها بطل من الابطال. رحلة سلام الترجمان ، مرت بأرمينيا، وبلاد الخزر، وبحر قزوين، وحصون جبال القوقاز، حتى وصل الى السد الذي بناه ذو القرنين، واطمئن انه ما زال قائما، فأخذ منه حفنة لكي يريها للخليفة العباسي، فيطمئن قلبه.

قد تكو الأسطورة او الملحمة، محتوية على حقيقة ما ، وهذه هي رواية سلّام التّرجمان، كما ذكرها ابن خرداذبة، في كتابه المسالك والممالك، الذي صدر في ٢٧٢ هجرية.

حدثنني سلّام التّرجمان ان الواثق بالله لمّا رأى في منامه كأنّ السّدّ الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين يأجوج ومأجوج قد انفتح فطلب رجلا يخرجه الى الموضع فيستخبر خبره فقال أناس ما هاهنا أحد يصلح الّا سلّام الترجمان وكان يتكلّم بثلثين لسانا.

قال فدعا بي الواثق وقال اريد ان تخرج الى السدّ حتّى تعاينه وتجيئني بخبره وضمّ الىّ خمسين رجلا شباب اقوياء ووصلني بخمسة آلاف دينار وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم وامر فأعطى كلّ رجل من الخمسين ألف درهم ورزق سنة وامر ان يهيّأ للرجال اللبابيد وتغشى بالأديم واستعمل لهم الكستبانات بالفراء والركب الخشب وأعطاني مائتي بغل لحمل الزاد والماء.

فشخصنا من سَرَّ من رأى بكتاب من الواثق بالله الى اسحاق بن اسماعيل صاحب ارمينية وهو بتفليس في انفاذنا وكتب لنا اسحاق الى صاحب السّرير وكتب لنا صاحب السرير الى ملك اللّان وكتب لنا ملك اللان الى فيلان شاه وكتب لنا فيلان شاه الى طرخان ملك الخزر.

فاقنا عند ملك الخزر يوما وليلة حتّى وجّه معنا خمسة ادلّاء فسرنا من عنده ستّة وعشرين يوما فانتهينا الى ارض سوداء منتنة الرائحة وكنّا قد تزوّدنا قبل دخولها خلّا نشمّه من الرائحة المنكرة فسرنا فيها عشرة ايّام.

ثم صرنا الى مدن خراب فسرنا فيها عشرين يوما فسألنا عن حال تلك المدن فخبّرنا انها المدن التي كان يأجوج ومأجوج يتطرّقونها فخرّبوها.

ثم صرنا الى حصون بالقرب من الجبل الذي في شعبة منه السدّ وفى تلك الحصون قوم يتكلّمون بالعربيّة مسلمون يقرءون القرآن لهم كتاتيب ومساجد فسألونا من اين اقبلنا فأخبرناهم انّا رسل امير المؤمنين فاقبلوا يتعجّبون ويقولون امير المؤمنين فنقول نعم فقالوا شيخ هو لم شابّ فقلنا شابّ فعجبوا ايضا فقالوا اين يكون فقلنا بالعراق في مدينة يقال لها سرّ من رأى فقالوا ما سمعنا بهذا قطّ، وبين كلّ حصن من تلك الحصون الى الحصن الآخر فرسخ الى فرسخين اقلّ واكثر.

ثم صرنا الى مدينة يقال لها ايكّة تربيعها عشرة فراسخ ولها ابواب حديد يرسل الابواب من فوقها وفيها مزارع وارحاء داخل المدينة وهى التي كان ينزلها ذو القرنين بعسكره بينها وبين السدّ مسيرة ثلثة ايّام وبينها وبين السدّ حصون وقرى حتّى تصير الى السدّ في اليوم الثالث، وهو جبل مستدير ذكروا ان يأجوج ومأجوج فيه وهما صنفان ذكروا ان يأجوج اطول من مأجوج ويكون طول احدهم ما بين ذراع الى ذراع ونصف واقلّ واكثر.

ثم صرنا الى جبل عال عليه حصن والسدّ الذي بناه ذو القرنين هو فجّ بين جبلين عرضه مائتا ذراع وهو الطريق الذي يخرجون منه فيتفرّقون في الارض فحفر اسلسه ثلثين ذراعا الى أسفل وبناه بالحديد والنحاس حتّى ساقه الى وجه الارض ثم رفع عضادتين مما يلي الجبل من جنبتي الفجّ عرض كلّ عضادة خمس وعشرون ذراعا في سمك خمسين ذراعا الظاهر من تحتهما عشر أذرع خارج البا؟

وكلّه بناء بلبن من حديد مغيّب في نحاس تكون اللبنة ذراعا ونصفا في ذراع ونصف في سمك اربع اصابع ودروند حديد طرفاه على العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعا قد ركّب على العضادتين على كلّ واحدة بمقدار عشر اذرع في عرض خمس اذرع وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد في النحاس الى رأس الجبل وارتفاعه مدّ البصر يكون البناء فوق الدروند نحوا من ستّين ذراعا وفوق ذلك شرف حديد في طرف كلّ شرفة قرنتان تنثني كلّ واحدة منهما على الاخرى طول كلّ شرفة خمس اذرع في عرض اربع اذرع وعليه سبع وثلثون شرفة.

واذا باب حديد مصراعين معلقين عرض كلّ مصراع خمسون ذراعا في ارتفاع خمس وسبعين ذراعا في ثخن خمس اذرع وقائمتاهما في دوّارة على قدر الدروند لا يدخل من الباب ولا من الجبل ريح كانه خلق خلقة وعلى الباب قفل طوله سبع اذرع في غلظ باع في الاستدارة والقفل لا يحتضنه رجلان وارتفاع القفل من الارض خمس وعشرون ذراعا وفوق القفل بقدر خمس اذرع غلق طوله اكثر من طول القفل وقفيزاه كلّ واحد منهما ذراعان وعلى الغلق مفتاح معلّق طوله ذراع ونصف وله اثنتا عشرة دندانكة كلّ دندانكة في صفة دستج الهواوين واستدارة المفتاح اربعة اشبار معلّق في سلسلة ملحومة بالباب طولها ثماني اذرع في استدارة اربعة اشبار والحلقة التي فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق وعتبة الباب عرضها عشر اذرع في بسط مائة ذراع سوى ما تحت العضادتين والظاهر منها خمس اذرع وهذه الذراع كلّها بالذراع السوداء.

ومع الباب حصنان يكون كلّ واحد منهما مائتي ذراع في مائتي ذراع وعلى باب هذين الحصنين شجرتان وبين الحصنين عين عذبة وفى احد الحصنين آلة البناء التي بنى بها السدّ من القدور الحديد والمغارف الحديد على كلّ ديكدان اربع قدور مثل قدور الصابون وهناك بقيّة من اللبن الحديد قد التزق بعضه ببعض من الصدأ.

ورئيس تلك الحصون يركب في كلّ يوم اثنين وخميس وهم يتوارثون ذلك الباب كما يتوارث الخلفاء الخلافة يجيء راكبا ومعه ثلثة رجال على عنق كلّ رجل مرزبّة ومع الباب درجة فيصعد على اعلى الدرجة فيضرب القفل ضربة في اوّل النهار فيسمع لهم جلبة مثل كور الزنابير ثم يخمدون فاذا كان عند الظهر ضربه ضربة اخرى ويصغى بإذنه الى الباب فتكون جلبتهم في الثانية اشدّ من الاوّلة ثم يخمدون فاذا كان وقت العصر ضرب ضربة اخرى فيضجّون مثل ذلك ثم يقعد الى مغيب الشمس ثم ينصرف الغرض في قرع القفل ان يسمع من وراء الباب فيعلموا ان هناك حفظة ويعلم هؤلاء ان هاولئك لم يحدثوا في الباب حدثا.

وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير يكون عشرة فراسخ في عشرة فراسخ تكميره مائة فرسخ، قال سلّام فقلت لمن كان بالحضرة من اهل الحصون هل عاب من هذا الباب شىء قطّ قالوا ما فيه الّا هذا الشقّ والشقّ كان بالعرض مثل الخيط دقيق فقلت تخشون عليه شيئا فقالوا لا ان هذا الباب ثخنه خمس اذرع بذراع الاسكندر يكون ذراعا ونصفا بالأسود كلّ ذراع واحدة من ذراع الاسكندر قال فدنوت واخرجت من خفّى سكّينا فحككت موضع الشقّ فاخرج منه مقدار نصف درهم واشدّه في منديل لأريه الواثق بالله.

وعلى فرد مصراع الباب الايمن في اعلاه مكتوب بالحديد باللسان الاوّل فاذا جاء وعد ربّى جعله دكّاء وكان وعد ربّى حقّا وننظر الى البناية واكثره مخطّط ساف اصفر من نحاس وساف اسود من حديد، وفى الجبل محفور الموضع الذي صبّ فيه الابواب وموضع القدور التي كان يخلط فيها النحاس والموضع الذي كان يغلى فيه الرصاص والنحاس وقدور شبيهة بالصفر لكلّ قدر ثلث عرى فيها السلاسل والكلاليب التي كان يمدّ بها النحاس الى فوق السور.

وسألنا من هناك هل رأيتم من يأجوج ومأجوج احدا فذكروا انهم رأوا مرّة عددا فوق الجبل فهبّت ريح سوداء فألقتهم الى جانبهم وكان مقدار الرجل في رأى العين شبرا ونصفا، والجبل من خارج ليس له متن ولا سفح ولا عليه نبات ولا حشيش ولا شجرة ولا غير ذلك وهو جبل مسلنطح قائم املس ابيض .

فلمّا انصرفنا اخذ الادلّاء بنا الى ناحية خراسان وكان الملك يسمّى اللب ثم خرجنا من ذلك الموضع وصرنا الى موضع ملك يقال له طبانوين وهو صاحب الخراج فاقمنا عندهم ايّاما وسرنا من ذلك الموضع حتّى وردنا سمرقند في ثمانية اشهر ووردنا على أسبيشاب وعبرنا نهر بلخ ثم صرنا الى شروسنة والى بخارا والى ترمذ ثم وصلنا الى نيسابور.

ومات من الرجال الذين كانوا معنا ومن مرض منهم في الذهاب اثنان وعشرون رجلا من مات منهم دفن في ثيابه ومن مرض خلّفناه مريضا في بعض القرى ومات في المرجع اربعة عشر رجلا فوردنا نيسابور ونحن اربعة عشر رجلا وكان اصحاب الحصون زوّدونا ما كفانا.

ثم صرنا الى عبد الله بن طاهر فوصلنى بثمانية آلاف درهم ووصل كلّ رجل معي بخمس مائة درهم واجرى للفارس خمسة دراهم وللراجل ثلثة دراهم في كلّ يوم الى الرىّ ولم يسلم من البغال التي كانت معنا الّا ثلثة وعشرون بغلا، ووردنا سرّ من رأى فدخلت على الواثق فأخبرته بالقصّة واريته الحديد الذي كنت حككته من الباب فحمد الله وامر بصدقة يتصدّق بها واعطى الرجال كلّ رجل الف دينار، وكان وصولنا الى السدّ في ستّة عشر شهرا ورجعنا في اثنى عشر شهرا وايّام فحدثني سلّام الترجمان بجملة هذا الخبر ثم املاه علىّ من كتاب كان كتبه للواثق بالله.